دولة ضد الاستقرار
شرحنا في مقالنا السابق لماذا جاءت تركيا إلى ليبيا، وقلنا إن تركيا والاستقرار نقيضان تاريخيان، وتناولنا كيف استولت على لواء الإسكندرونة السورى، وغيرت هويته وهجرت سكانه بمعاونة فرنسا، وكيف خاضت أرمينيا الدولة المسيحية الأولى تاريخيا جهادا مع السوريين، للحفاظ على عروبة اللواء، غير أن الواقع حوله إلى جمهورية هاتاى وأصبح تركيا.
اليوم نتناول كيف أن تركيا والحرب شريكان متناغمان، فكل دول العالم تطلق على محيطها دول الجوار، إلا تركيا، لها ١٢ جارا خاضت ضدهم جميعا حروبا متتالية، ولذا يطلق عليها خبراء السياسة دولة العداء التاريخي والجغرافى والمستقبلى، إذ لا تزال تضع عينيها على الموصل وكركوك، باعتبارهما كانتا تابعتين للإمبراطورية العثمانية.
تركيا أول الداعمين
لإزكاء الحرب والفتنة بين أرمينيا وأذربيجان، ولاتزال تفرض حصارا على أرمنيا دون أن
نتجاهل مذابحها ضد الأرمن، وهي المذابح التي اعترفت بها عديد الدول، وهي الدولة الأولى
الداعمة للكيان الصهيوني بعلاقات استراتيجية معلنة.
وهي الشوكة التي تهدد عالمنا العربى قديما وحديثا ومستقبلا، ورغم محاولات الغربنة التي تسعى إليها أنقرة إلا أن محيطها الشرق أوسطي لا يزال يشدها فتنغمس في معارك لخلق أدوار لها بوكالة غربية وأمريكية..
لذا فليس من المستغرب أن يغض كل هؤلاء الطرف عن تماديها وتدخلها في طرابلس، ومن ثم تحقيق مصالح من أوكلوا إليها هذه المهمة، والاستفادة من النفط والثروات الليبية، والأهم الوصول إلى حدود مصر التي فخخت مشروعها الاستعمارى في ٣٠ يونيو، بثورة شعبية ساندها الجيش وهو ما لا ينساه أردوغان.
وتاريخيا زرعت
تركيا في هذا الموقع من قبل اليهود الدونما قبل وجود الكيان الصهيوني في فلسطين بخمسة
وعشرين عاما، ولا يختلف دورها عن دور الكيان الصهيوني في محيطه العربى، فمنطقة الشرق
الأوسط أحد أهم الأهداف والغايات في عرف السياسة الخارجية الغربية والأمريكية..
ولم
يكن غريبا أن يتسق وجود تركيا مع فكرة الحروب العنصرية واعترافها بالكيان الصهيوني
وانضمامها لأحلاف عسكرية وسياسية استعمارية مناوئة للعرب، ولا إقامتها لقواعد عسكرية
أجنبية على أراضيها، ولا احتلالها لقبرص ولا خنقها لأرمنيا ولا مطالبتها بكركوك والموصل
العراقيتين!
ومن ملامح التغلغل
التركي في الشرق الأوسط، والتي تعد مظاهرها واضحة وضوح الشمس، يبدو أن الدور التركي
تأثر بشكل مدهش من قيام ثورة الثلاثين من يونيو في مصر، عندما هبت الجماهير يساندها
جيشها لمواجهة مؤامرة تسليم القاهرة إلى الخليفة الجديد، كانت جماعة الإخوان تخطط لما
خطط له فائز السراج أهم وأخطر عميل تركى غربى في العصر الراهن، ولم يكن يساويه في هذا
القدر المنحط إلا جماعة إخوان مصر.
في مساء الثاني
عشر من سبتمبر من عام ٢٠١١ كان رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا في ذلك الوقت، قد
وصل إلى مطار القاهرة ، وقد حرصت جماعة الإخوان الإرهابية أن تتسم زيارته باستقبال
شعبى، فتزاحم أتباعها أمام المطار رافعين أعلام مصر وتركيا، ونال أردوغان شرف الإطلال
على المصريين بكلمة طالب فيها ببناء نموذج "علمانى" مثل النموذج التركي واصطحب
معه أكثر من ٢٣٥ رجل أعمال وخبيرا كبدايات للسيطرة التركية.
مرت أيام وشهور
حتى تبوأ محمد مرسي أعلى سلطة في البلاد، وبدا واضحا أن الإخوان يغردون خارج الهوية
المصرية باتجاه أنقرة، ثم وصل الأمر إلى ذروته بخروج الشعب المصري لإجهاض المؤامرة
وقد كان..
أردوغان.. بين المغامرة والمؤامرة
لم يكن هناك أيام أصعب على أردوغان من تلك الأيام لا تضاهيها إلا لحظات الانقلاب عليه وفراره إلى أن عاد ممسكا بعصا الديكتاتور، ليبدأ جولة جديدة من جولات اقتحام النسيج العربى، فلم يقف موقفا واحدا مناصرا لقضية عربية، بل زاد في طغيانه ليحلم بإعادة القاهرة إلى الحظيرة التركية.
ومن أجل ذلك لن يتوقف الزحف التركى عند طرابلس، ولن يهدأ له بال إلا بالوصول إلى الدرة والتاج.. هنا في قاهرة المعز.. إنه العداء التاريخي والدور المكلف به من قبل أسياده في الغرب.