الحروب ليست "بوست" على الفيس
عاشت مصر أقسى سنوات تاريخها الحديث بعد هزيمة الخامس من يونيو بعد أن فقدت البوصلة والمشروع، وتهدد وجودها بشكل لم يحدث فى تاريخها من قبل، قراءة هذه السنوات تمنح الإنسان قدرا وافرا من من إحساس المرارة والخزى والعار وأهم من كل ذلك سقوط الثقة فى القيادة التى كانت تلائم بين البحرين فى أيهما سنرمى الكيان المحتل!
تولى الرئيس الشهيد محمد أنور السادات فى هذا المناخ الملبد بكل صنوف الإحباط واليأس، وكانت الأيام القليلة قبل توليه قد شهدت معركة بناء الثقة من جديد فى جيش كتبت عليه الهزيمة النكراء دون أن يحارب وسط مغامرات الهواة وصراع الكبار على السيطرة.
اقرأ أيضا: شهداء حركة رمضان
على الوهم وهم الذات، بدأ الرجل فى التخطيط ووضع خطة تعمية وخداع لم يشهد التاريخ مثيلا لها، جاء ذلك وسط دعوات الشباب المتحمس والمطعون فى مشروعه ووجوده داخل الجامعات والتنظيمات الشبابية، وتداخلت فى هذا الوقت العديد من دعوات الحرب، والقائد يعلن وفق معلومات دقيقة أن البلاد ليست جاهزة لمغامرة أخرى.
صبر السادات على السخرية منه ومن رجاله ومن قادة مصر طويلا دون انفعال قد يكلفه وطنا بحجم مصر. الشباب يتظاهرون ويسخرون ويبكون ويتعجلون وقائد المرحلة يتحمل كل تلك الأعباء عبء البناء وعبء التعبئة وعبء الشعب المتعجل وعبء اتخاذ القرار وعبء السلاح فى مواجهة قوى الغرب المساندة بالعتاد والرجال والمعلومات وعلى قمة المتآمرين رأس الأفعى الولايات المتحدة الأمريكية.
كانت ثقة رجل المرحلة بالإرادة تعادل ثقة الآخر بانتصاره المروع فى الحرب السابقة، كانت الجامعات تعج بالمتظاهرين المتحمسين وأحاديث الوطنيين فى كل شارع وحارة تغلفها لغة الانكسار وعدم الثقة أما هو فقد استمر فيما يعيد لنا كرامتنا وكبرياءنا وأرضنا دون هوادة.
اقرأ أيضا: دماء الشهداء تزين رمال سيناء
فى اليوم الموعود استعرض مع رجاله ميزان القوى وكان الرأى الغالب أن العدو يمتلك ما لا نمتلك، وأنه أكثر جاهزية منا من حيث العتاد ومناطق القوة العسكرية وأن الحرب الآن مغامرة غير محمودة العواقب وكان السادات على يقين من أننا نملك ما لا يملكه العدو من إرادة ورغبة وطاقة ومساحة من التحدى ليست لدى الطرف الآخر.
كان القرار "سنحارب" وفى الوقت الذى كانت فيه كل القوى الوطنية استكانت وهانت وتصورت أن لا حل ولا حرب.. حاربنا وانتصرنا.. هكذا هى حروب الوجود لا تخاض من على المصاطب وعلى مواقع التواصل الاجتماعى.. حروب الوجود قرار محسوب ومقدر لأنها ليست نزهة والمغامرة فيها تكلف الوطن ما لا يطيق ولا نطيق نحن أيضا.