حكم الشرع في تنظيم النسل
اتفقت مع زوجي على أن يكون بين الولود
والآخر فترة تصل إلى أربع سنوات ، وأتخذت الوسائل لذلك، فما حكم الشرع من هذا الإتفاق؟
ورد هذا السؤال فى كتاب: "فتاوى.. وأحكام للمرأة المسلمة" لفضيلة الشيخ عطية صقر الرئيس الاسبق للجنة الفتوى الأزهر الشريف، فيقول فضيلته:
ليكن معلوما أن منع الإنجاب مطلقا
بالتعقيم حرام، وهو يشبه إخصاء الرجل فهو حرام، ما لم يكن تعقيم المرأة لضرورة
كوارثية محققة لمرض معد، أو خطورة على حياتها.
لكن تأجيل الحمل لفترة من الزمن ليس
هناك دليل يحرمه، وقد تحدث الفقهاء عن صورة من صوره وهى العزل - منع لقاء الحيوان
المنوى بالبويضة- فقال جماعة بجوازه مطلقا ، وقال آخرون بحرمته مطلقا، وتوسط بعضهم
فقال بجوازه إذا أذنت الزوجة.
اختار الإمام الغزالي في كتابه "إحياء
علوم الدين" إباحته وإن قال: إنه خلاف الأولى، وبرهن على إختياره بقوله: إن
إثبات النهي إنما يمكن بنص أو قياس على منصوص، ولا يوجد نص ولا أصل يقاس عليه، بل هناك
أصل يقاس عليه - أى فى الحل- هو ترك النكاح أصلا، أو ترك الجماع بعد النكاح، أو ترك الإنزال
بعد الإيلاج، فكل ذلك ترك للأفضل وليس بارتكاب نهي..
ثم قال : وليس هذا -أى العزل-
كالإجهاض والوأْد-أى دفن الوليد حيا- لأن ذلك جناية على موجود حاصل... إلى أن قال:
فهذا هو القياس الجلي. ثم قال: فإن قلت: فإن لم يكن العزل مكروها من حيث إنه دفع لوجود الولد فلا
يبعد أن يكون لأجل النية الباعثة عليه، إذ لا يبعث عليه إلا نية فاسدة فيها شيء من
شوائب الشرك الخفى، فأقول : النيات الباعثة على العزل خمس:
الأول: في السراري ـ أي الإماء ـ وهو حفظ
الملك عن الهلاك باستحقاق العتاق.
الثانية: استبقاء جمال المرأة لدوام التمتع
بها واستبقاء حياتها خوفا من خطر الطلق، وهذا أيضا ليس منهيا عنه.
الثالثة: الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة
الأولاد، والاحتراز من الحاجة إلى التعب في الكسب ودخول مداخل السوء . وهذا أيضا غير
منهي عنه، فإن قلّة الحرج معين على الدين، نعم، الكمال والفضل في التوكّل والثِّقة
بضمان الله حيث قال: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}
ولا جرم فيه سقوط عن ذروة الكمال وترك الأفضل، ولكن النظر إلى العواقب وحفظ المال وادخاره
مع كونه مناقضا للتوكل لا نقول: إنه منهي عنه.
الرابعة: الخوف من الأولاد الإناث، لما
يعتقد في تزويجهن المعرة كما كان من عادة العرب في قتلهم الإناث، فهي نية فاسدة.
الخامسة: أن تمتنع المرأة لتعزرها ومبالغتها
في النظافة والتحرز من الطلق والنفاس والرضاع، وكان ذلك عادة نساء الخوارج.. فهذه
بدعة تخالف السنة، فهى نية فاسدة. أه
فنرى من هذا العرض أن النية فى العزل -ومثله إستعمال موانع الحمل للرجل والمرأة- إذا كانت صحيحة كالمحافظة على صحة المرأة وجمالها فلا حرمة فيه، وكذلك إذا كان الباعث عليه باعثا إقتصاديا فلا حرمة فيه، لان ترتيب أمور الإنسان حسب حالته الأقتصادية أمر دعا إليه الدين ، فبد أن أمر الله بإنكاح الأيامي والصالحين أرشد الفقراء إلى الإنتظار والاستعفاف حتى ييسر الله لهم الأمور فقال: { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} (النور: 33) .
والنبى صلى
الله عليه وسلم لما رغب الشباب فى الزواج قصد بهم من يستطيعون الباءة أى تكاليفه،
وأرشد غير القادرين ألى نوع من الرياضة يعفون به أنفسهم، وهو الصوم، فقالنه أغض
للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه الصوم، فإنه له وجاء" رواه البخارى
ومسلم.
فالخلاصة أن
تأجيل الحمل من أجل المحافظة على صحة الأم ، أو من أجل عدم توفر النفقة اللازمة
ليس بمحرم.