القاعدة والاستثناء في برامج الهواء
الخطأ في برامج الهواء استثناء، لكنه وارد، وفي أغلب الأحيان يتقبله الجمهور، ويتجاوزه المتخصصون. قد يكون الخطأ في معلومة يصححها المذيع في نهاية الحلقة، وربما يأتي التصحيح من الضيف أو من المشاهد..
وقد يكون الخطأ في تجاوز المذيع في حق الضيف أو العكس، أو في الدفع بضيف على الهواء من خلال الهاتف دون إحاطته بالقضية المطروحة للنقاش، أو ضيف يستضيفه البرنامج ليتحدث في غير تخصصه، أو ضيف يتأخر لسبب ما فيضطر المذيع إلى التحدث مع الجمهور لحين وصول الضيف..
وقد يعجز المذيع عن تمالك نفسه فيضحكه موقف، أو يقطع المخرج على المذيعة وهي تعيد تصفيف شعرها أو الاطمئنان على مكياجها، أو تسقط قطعة من الديكور فجأة فتحدث ضجيجاً، كل هذه الأخطاء واردة، ولم تسلم منها غالبية البرامج لا في إعلامنا ولا في إعلام غيرنا، لكن تظل مثل هذه الأخطاء استثناءً مقبولاً.
اقرأ أيضا: أنا المصري
أما القاعدة فهي خروج البرنامج دون أخطاء، وهذا يتطلب احترافية من كل عناصر البرنامج، المذيع يعرف الدور المنوط به ولا يتخطاه، وكذلك فريق الإعداد والإخراج والديكور والبرديوسر والمونتاج والمراسلون، وانتهاءً بعامل البوفيه.
ترى.. هل تخضع برامجنا للقاعدة أم للاستثناء ؟ الواقع يؤكد أنها لا هذا ولا ذاك، هي خلطة تفردنا بها، ورغم نشازها صارت القاعدة ودونها الاستثناء.
في أغلب برامجنا ينفرد المذيع بالحديث مستغنياً عن الضيوف ليكون هو المذيع والخبير السياسي والإستراتيجي والعسكري، والملم بكافة الملفات، حتى التقارير التي تثري الشاشة لا وجود لها، ولا استخدام للكاميرات الكثيرة إلا الكاميرا المخصصة له.
ليتحول التليفزيون المتميز في إبهاره بالصورة إلى راديو، وبسبب كثرة كلامه يرتكب المذيع عشرات الأخطاء، غير مدرك أن الكلمة على الهواء (طلقة) تخرج دون رجعة، وتلك هي طامتنا الكبرى، فمن أقوال المذيع وأخطائه الكثيرة.. تبدأ قنوات الخارج عملها، حتى إذا توقف مذيعونا توقفت برامج الخارج.
اقرأ أيضا: عذراً يا أطباء مصر
هذا القالب البرامجي الذي ضرب بمقاييس المهنية عرض الحائط.. كان أحد إفرازات يناير، واستمر طوال السنوات العشر الماضية، معززاً وجوده بالمزايدة والنفاق والتطبيل ووصلات ردح غير مسبوقة.
قالبنا البرامجي المتفرد في التشوهات استوعب أصحاب كل المهن، فبإمكانك أن تمارس عملك طوال اليوم وفي المساء تتحول إلى مذيع يفتي في كل شيء، وإن كنت متعدد العلاقات فسوف تعمل بأجر، وإن كنت ميكانياً أو موظفاً والنجومية حلمك.. فما عليك إلا شراء ساعة في قناة مغمورة وسوف تحقق حلمك، وقل ما شئت..
المهم تلعن أبو أردوغان وقطر والجزيرة وتقول تحيا مصر ثلاث مرات، وإذا كنت فتاة تبحثين عن النجومية فأمامك طريقان.. إما شراء الوقت.. وإما شراء الذمم.
هذا القالب المتفرد في تشويه الإعلام المصري حذر الرئيس من خطورته أكثر من مرة، وعاتب الإعلام لعدم دقته في نقل رسائله للجمهور، وقد ترتب على ذلك أزمات مع بعض الدول تم احتواؤها.
تجلت قوالبنا البرامجية المبتكرة أول أمس، عندما تناولت تصريحات الرئيس الخاصة بالأحداث في ليبيا، فعلى الرغم من الرسائل المحددة والدقيقة جداً التي حملتها كلمة الرئيس.. إلا أنها في برامج المساء اتخذت شكلاً آخر وحملت برسائل أخرى لم يقلها الرئيس، وصار الانطباع السائد لدى أغلب المصريين أننا ذاهبون إلى الحرب لا محالة، وهو ما انعكس على مواقع التواصل الاجتماعي، فضجت بأغاني الحرب .
هذا هو أغلب إعلامنا الذي نتمنى له شفاءً لا يغادر سقماً.
besheerhassan7@gmail.com