عذراً يا أطباء مصر
منذ عشر سنوات قدمنا حلقة تليفزيونية بعنوان (عالم وعالمة) كان ضيفاها أستاذاً في مركز بحثي مهم وراقصة مغمورة في ملهى ليلي، الهدف من الحلقة كان إلقاء الضوء على التباين الكبير في العائد المادي والوضع الإجتماعي للضيفين، والعلاقات التي يتمتع بها كلاً منها، والتي تنعكس على مساحة نفوذهما داخل المجتمع.
التباين المستهدف بدأ قبل الحلقة بيوم، حيث طلب الضيف سيارة تأتي به إلى القناة ثم تعيده، ورفضت الضيفة سيارة القناة، مؤكدة أنها لا تستريح إلا في سيارتها ومع سائقها الخاص، فقط.. طلبت من المعد التواصل مع مدير أعمالها لأنه المعني بمعرفة موعد الحلقة ورقم الإستديو.
اقرأ ايضا: أجازة إجبارية
حضر الضيف قبل موعده بساعة، وحضرت الضيفة في سيارة فارهة مع بداية الحلقة وفي معيتها مدير أعمالها والماكيرة والكوافيرة والسائق، ومع بداية الحلقة شعرت بالخجل من الجمع بين النقيضين، وأشفقت على (العالم) من أسلوب (العالمة) وطريقة آدائها، ومصمصتها لشفاهها عندما علمت بالراتب الشهري الذي يتقاضاه العالم..
لكن خجلي توارى خلف رغبتي في إيصال الرسالة المستهدفة، وهي الإهتمام بالعلم والعلماء، أما باقي تفاصيل الحلقة فلا تحتاج إلى سرد، فالتباين في الدخل والسكن وحجم العلاقات ومساحة النفوذ معروف لمن شاهد الحلقة ومن لم يشاهدها، حتى الإهتمام من أفراد الأمن والفنيين وغيرهم كان يتجه إلى (العالمة) وتلك هي آفتنا.
وبعد إنتهاء الحلقة توجهت إلى العالم وقبل أن أعتذر له فاجأني بسعادته بالحلقة، مؤكداً أنه يعلم الهدف منها متمنياً أن تصل الرسالة.
وبعد عشر سنوات من حلقة (عالم وعالمة) وجب الإعتذار للضيف، لأن الرسالة لم تصل، وإنشغلنا بالعوالم عن العلم والعلماء، فتصدرت أخبار زواجهن وطلاقهن إعلامنا، نفرد لهن المساحة الأكبر، وندفع لهن مقابل الإستضافة رغبة في زيادة الإعلانات، فكنا ضحايا لشركات الإعلان، وكان العلماء ضحايا لنا، أما جريمتنا الأكبر فكانت في حق المواطن الذي شاركنا في تغييب وعيه، فجاءت النتائج كارثية.
اقرأ ايضا: الأخطر من الإرهاب
ومجتمع العوالم لا يقتصر على الراقصات المغمورات في الملاهي الليلية، فالعوالم في مجالات عديدة يمسكن الصاجات ويتراقصن، ومن العوالم أيضاً رجال، تجدهم مستعدين للرقص وعلى إستعداد لتعرية أجسادهم وضمائرهم وذممهم، يبيعون كل شيئ، المهم.. أن يكون للبيع مقابل.
إنشغلنا عن العلم والعلماء، حتى جاء (كورونا) فلم نجد أمامنا منقذاً إلا الذي إنشغلنا عنه بتوافه الأمور، لذلك وحب الإعتذار لعلماء مصر وأطبائها وطواقم تمريضها، لقد وصلت الرسالة بعد غيبوبة دامت عقوداً.
وجب الإعتذار لأسرة الطبيبة، التي رفض أهل قريتها دفنها خوفاً من إنتقال العدوى، فالطبيبة ضحية كورونا، وأهل القرية ضحية غياب الوعي.
وجب الإعتذار لطبيبة الإسماعيلية التي تصدت لجهل البعض عندما أشاعوا إصابتها بالفيروس لمجرد أنها أقامت في شقتها بعيداً عن أسرتها لتتمكن من الذهاب بسهولة للمستشفي التي تعمل بها.
وجب الإعتذار لهذه الممرضة التي يفر منها الجيران لمجرد عملها في مستشفى الصدر.
عذراً يا أطباء مصر، لقد وصلت الرسالة، وإستوعبنا الدرس.
besherhassan7@gmail.com