رئيس التحرير
عصام كامل

حكم الشرع في تجسس الزوج على هاتف زوجته أو العكس

ما حكم الشرع في تجسس
ما حكم الشرع في تجسس الزوج على موبايل زوجته أو العكس - صورة

يقوم بعض الأزواج والزوجات بالتفتيش في تليفونات بعضهم البعض بسبب الغيرة أو انعدام الثقة، فهل هذا جائز شرعا؟ وهل يعتبر من التجسس على الآخر؟

يجيب عن هذا السؤال فضيلة الدكتور شوقي علام مفتى الديار المصرية فيقول:

لا يظن أحد بأن عقد الزواج يبيح لأي من الزوجين الاطلاع على خصوصيات الآخر بغير إذنه، فإن قوامة الرجل على أهل بيته لا تكون إلا بالحكمة والنصح والإرشاد مع أدائه ما يجب عليه نحوهم من الحقوق لا بالتجسس وسوء الظن وتتبع العثرات، كما أن حب المرأة لزوجها وغيرتها عليه لا تسوغ لها التفتيش في خصوصياته، بل إن من يفعل شيئا مِن ذلك إنما يأتي بما يكدر عليه صفو الحياة ويفسد العلاقة الزوجية، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ» رواه أبو داود

 

اقرأ ايضا: حكم الشرع في خياطة ملابس السيدات والاتجار فيها

 

فتكدير العلاقة بين الزوجين بسوء الظن وتتبع العورات واختلال الثقة بينهما مناف للحكمة والقيمة الأخلاقية والاجتماعية التي قصد الشرع الشريف إقامةَ الحياة الزوجية عليها، وما يعتري بعض الأزواج من حالات الغيرة الزائدة والشك المفرط وقلة الثقة في شريك الحياة دون مبرر حقيقي لذلك، مما يدفعه إلى التجسسِ على المكالمات الهاتفية للطرف الآخر، أو التفتيشِ في مراسلاته ومحادثاته الإلكترونية وأجهزة الاتصال الخاصة به - مع كون هذا التواصل لغرض صحيح شرعا- يعد سلوكا عدوانيا سيـئًا بين الزوجين، وتعديا وانتهاكا للحرمات، ومسلكا للشيطان للتفريق بين الزوجين، حيث يشتمل هذا النوع من السلوك على عددٍ من المنهيات والمحظورات الشرعية المفروضةِ صيانة لشئون الناس وأحوالهم وأسرارهم:

 

* فمنها: سوء الظن، فالله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات: 12].

 

* ومنها: تتبع عورات الناس ومعائبهم بالبحث عنها والخوض فيها، وقد شدد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تنبيه المسلمين على خطورة الخوض في أعراض الناس والتنقيب عن عوراتهم، مخبرًا من يستهين بذلك بأنه يسعى لهتك الستر عن نفسه إن استمر في ذلك، فيفضحه الله تعالى ولو كان في جوف بيته، فعن ثوبان رضي الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا تُؤذُوا عبادَ اللهِ ولا تُعيِّروهم ولا تطلُبوا عوراتِهم فإنَّه مَن تطلَّب عورةَ أخيه المسلمِ طلَب اللهُ عورتَه حتَّى يفضَحَه في بيتِه " رواه أحمد

 

اقرأ ايضا: حكم الشرع فى إنفاق الأم على أولادها عند غياب الأب

 

* ومنها: التجسس، وقد حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التجسس وما يكدر العلاقة الطيبة بين الناس ويجلب الكراهية والبغضاء، والأحاديث في ذلك كثيرة، منها حديث أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا» متفق عليه.

 

ولا يقتصر التجسس على البحث عن العورات فقط، بل يشمل النظر فيما يخص المسلم من مكتوب أو نحوه، روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ نَظَرَ في كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَإِنَّمَا يَنْظُرُ في النَّارِ» رواه أبو داود

 

وإذا كان هذا هو حكم التجسس عموما، فإنه بين الزوجين أشد تحريما، لعظم وقداسة عقد النكاح، قال تعالى: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 21]، وفي الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ» رواه ابن ماجة وأبو داود.

 

اقرأ ايضا: حكم الشرع فى "نقطة الأفراح"

 

* ومنها أيضا: استماع المرء إلى حديث قوم وهم له كارهون، حيث توعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مَن يفعل ذلك بقوله: «وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ؛ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ -الرصاص المذاب- يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه البخاري.

 

* ويضاف إلى ما سبق: نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يفاجيء المسافر زوجته بدخوله عليها راجعا من سفره دون سابق خبر لها، وإنما أُمر المسلم بإنبائها قبل قدومه، حتى تستعد لمقدمه بالتزين له وحسن الاستقبال، ولئلا يحمله ذلك على التخوين وسوء الظن بها وتتبع عوراتها، فروى مسلم في "صحيحه" عن جابرٍ رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ". والطُّرُوق بالضم: المجيء بالليل مِن سفرٍ أو من غيره على غفلة.

 

وبناء على ما سبق: فإن تجسس أحد الزوجين على الآخر أو تتبع عوراته حرام شرعا، والواجب على كل منهما رعاية حق الآخر وإحسان الظن به والتعاون على البر والتقوى، ومن ثارت في نفسه شكوك تجاه الآخر فعليه مصارحته بقصد الإصلاح والنصح والتذكير بحق المعاشرة بالمعروف التي أمر الله تعالى بها.

والله تعالى أعلم

 

الجريدة الرسمية