تأميم المستشفيات الخاصة
عزيزي القارئ أرجوك ضع الكمامة واستخدم الكحول قبل قراءة المقال للوقاية من فيروسات أبشع من كورونا تطل برأسها لاستغلال الأزمة بغرض الاستيلاء على آخر جنيه في جيب المواطن المصري الذي أعيته الظروف الاقتصادية.
مع تصاعد أزمة كورونا ظهرت معاناة المواطن في الحصول على سرير عناية في المستشفيات الحكومية والجامعية لينظر صوب المستشفيات الخاصة التي يطالبه بعضها بأسعار خيالية تتجاوز عشرات الآلاف من الجنيهات في الليلة الواحدة ليصبح المواطن المسكين بين مطرقة الوباء وسندان ضعف الخدمات الطبية المقدمة أو جشع واستغلال البعض.. ووسط هذه المأساة هناك من يصنع البطولة وفق الإمكانيات المتاحة بينما للأسف هناك من لا يهتم بزيادة قسوتها..
أطل مسئول بغرفة مقدمي الخدمات الصحية للقطاع الخاص باتحاد الصناعات مصرحًا بأن معظم المستشفيات الخاصة، إن لم يكن جميعها، قد انسحبت من تقديم خدمات علاج كورونا بعد تحديد وزارة الصحة لأسعار العلاج.. وأن هذه المستشفيات منسحبة "لغاية ما نقعد مع الوزيرة ونقول السعر شكله عامل إزاي"!
اقرأ أيضا: جرائم تزوير "الترند"
وبالرغم من أن الأسعار التي أعلنتها وزارة الصحة لعلاج مرضى كورونا بالمستشفيات الخاصة جاءت مرتفعة -من وجهة نظر البعض- حيث تصل لعشرة آلاف جنيه في الليلة الواحدة إلا أن التصريح السابق لهذا المسؤول يعد بمثابة "مربط الفرس" الذي سيحاول أصحاب المصالح لاحقًا الدوران حوله وإنكاره وتبريره والتحجج بأن انسحابهم من علاج المواطنين يأتي نتيجة لعدم توفر الأدوية..
أو عدم السماح للمستشفيات والمعامل الخاصة بالقيام بالمسحات للمرضى أو بأن الدولة ليست في حاجة إلى خدمات القطاع الخاص أو لم تطلبها من الأساس.. ولكن أصل القصة يتواجد في العبارة السابقة التي خرجت في لحظة صدق لتوضح أن إنسحاب المستشفيات الخاصة يأتي لأنهم يرغبون في تحديد السعر.. ببساطة يريد القطاع الخاص أن يضع شروطه ويجبر الدولة على تنفيذها.
إن البعض يرغب في الاستفادة من الأزمة عبر فرض أسعار وفق أمزجتهم لتحقيق نسب ربح خيالية من الأزمة في مخالفة واضحة للقانون قبل أن يكون وضع شاذ لم يُسمح به للقطاع الخاص في أعتى الدول الرأسمالية.. وذلك للرد على من يرفعون شعارات السوق الحر وحماية الاستثمار وحق القطاع الخاص في تحديد أسعار خدماته وهي عبارات الحق التي يريدون بها الباطل..
وعلينا أن ننظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي قامت بتفعيل "قانون الإنتاج الدفاعي" في مارس الماضي مع ظهور أزمة كورونا لتجبر شركات خاصة مثل جنرال موتورز على تصنيع أجهزة تنفس صناعي بل أن سعر هذه الأجهزة سيحدده الرئيس الأمريكي ويحصل على تصديق من الكونجرس عليه..
اقرأ أيضا: أخطاء صغيرة
بمعنى أن الإدارة الأمريكية استخدمت حقها في إجبار القطاع الخاص على إنتاج سلعة محددة وفق سعر محدد.. كما أن دول أخرى قامت بتأميم المنشآت الطبية الخاصة ووضعها تحت الإدارة الحكومية حتى مرور الأزمة..
ما حدث من النموذج الأمريكي في التعامل مع القطاع الخاص لا يختلف عن الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية وفق التعديلات الأخيرة في قانون الطوارئ، والتي نُشرت في الجريدة الرسمية يوم 6 مايو الماضي، حيث أن البنود 17 و21 تعطي الدولة الحق في تحديد سعر بعض الخدمات أو السلع أو المنتجات، كذلك يحق لرئيس الجمهورية إلزام المستشفيات الخاصة بالعمل بكامل أطقمها الفنية وطاقتها التشغيلية لتقديم خدمات الرعاية الصحية العامة أو لمواجهة مرض محدد، بالإضافة إلى تحديد الرئيس لجهة إدارية تتولى الإشراف الكامل على المستشفيات الخاصة والمراكز الطبية التخصصية والمعامل.. لذلك عزيزى القارئ لا تجعل أحدهم يخدعك بأن هناك قانون في مصر يسمح لبعض المستشفيات الخاصة باستغلال الأزمة لسرقتك أو إجبارك على بيع "عفش" منزلك لعلاج أسرتك!
انسحاب المستشفيات الخاصة من مواجهة أزمة كورونا يعني ببساطة أن "الجيش الأبيض" قد تحول إلى "جيش مُعادي" لا تهمه حياة ملايين المصريين.. والجريمة هنا ليست خطأ الأطباء أنفسهم بكل تأكيد لكنه خطأ أصحاب ومدراء هذه المستشفيات الذين لم يشغلهم إلا الأرباح الطائلة ولا يتفهمون ضرورة تقديم خدماتهم بسعر التكلفة أو بهامش ربح بسيط حتى نتجاوز الأزمة.. ويتجاهلون حق الدولة في إجبارهم على تقديم خدماتهم وفق سعر محدد.
اقرأ أيضا: الحمقى في زمن الأوبئة
طوال العقود الماضية رأينا مشاهد مخزية قام ببطولاتها بعض المستشفيات الخاصة التي رفضت استقبال حالات حرجة في الطوارئ أو امتنعت عن بدء العمليات الجراحية الطارئة قبل كتابة أهل المريض لإيصالات أمانة "على بياض".. ومشاهد لأبناء يبكون آبائهم وقد عجزوا عن دفنهم لأن مستشفى خاص تحجز الجثامين لحين تحصيل فواتير العلاج أو بالأحرى فواتير الموت.. مشاهد قاسية علقت في أذهاننا عن بعض المستشفيات الخاصة التي تخصصت فقط في مص دمائنا.. فلا تسمحوا لهم بالمزيد من التربح على حساب مخاوفنا.
على الحكومة التعامل بحزم وتفعيل قانون الطوارئ ليتم وضع المستشفيات الخاصة والمراكز الطبية والمعامل تحت إدارتها طوال الأزمة.. كذلك هناك أهمية أن تضع وزارة الصحة آلية سريعة لأخذ المسحات من المشتبه بإصابتهم لتشخيص الحالات المرضية مع توفير أماكن عناية للحالات الحرجة.. هذا وقت حرب فلا تسمحوا لأحد بالتقصير في واجبه أو الهروب من المعركة.