رئيس التحرير
عصام كامل

أخطاء صغيرة

لا يمكن أن ينصفنا ذكاؤنا طوال الوقت.. أحيانًا تُصيب قراراتنا وفي مرات أخرى تصيبنا قراراتنا بالإحباط خاصة بعد أن نشاهد نتائجها التي أضاعت من أيدينا فرص عظيمة.. قد نتحمل وحدنا نتيجة قراراتنا لكن الخطورة تكمن حينما يتحمل المجتمع بأكمله نتيجة أفعالنا.

 

تميز الأديب الأمريكي الراحل "مارك توين" بالذكاء وحسه الساخر الذي دفعه إلى إرسال برقية لعشرة من الشخصيات العامة والمشاهير تحمل نفس المعنى (اهرب.. لقد اكتشفوا أمرنا).. أرسل "توين" البرقية على سبيل المزاح لكنه فوجئ بعدها أن المرسل إليهم قد غادروا البلاد وهربوا فور تلقيهم للبرقيات بعد أن ظنوا أن أسرارهم ومصائبهم قد انكشفت!

 

ولأننا لا نكون أذكياء طوال الوقت فإن "مارك توين" الذي خدع المشاهير بهذه البرقية قد خدعه ذكاؤه لاحقًا عندما رفض عرضا مقدما من مخترع التليفون "جراهام بل" الذي حاول إقناع "توين" أن يستثمر أمواله في شركة التليفونات.

 

الحمقى في زمن الأوبئة

 

ولكن الأديب الأمريكي الذي امتلأت رواياته بالإبداع كان في هذه اللحظة محدود الخيال حينما قال إنه ليس مغفلًا لوضع أمواله في مشروع "أسلاك تتكلم" وبسبب قراره ضاعت عليه فرصة استثمار ذهبية بعد أن نجحت شركة التليفونات وانتشر الاختراع ليغزو العالم.

 

أخطأ الكاتب الأمريكي في تقديره للموقف لكنه تحمل وحده تبعات قراره لذلك لا يمكن أن يلومه أحد إلا نفسه أما الإنجليزي "توماس أوستين" فإن قراره الخاطئ تسبب في معاناة قارة بأكملها.. وتعود القصة حينما قرر "أوستين" أن يُقيم في أستراليا.. وتذكر اشتياقه لهواية الصيد التي اعتادها في وطنه.

 

لذلك قرر استيراد أربعة وعشرين أرنبًا بريًا من إنجلترا وشحنها إلى إستراليا ليطلقها وسط المزارع ليتسنى له التمتع باصطيادها، ولكن يبدو أن بعضهم استطاع الهرب من رصاصات "أوستين" الذي لم يتخيل أبدًا أنهم سيتكاثرون بهذه الدرجة حتى قُدرت أعدادهم بعد سنوات بالملايين!

 

البديل الفني للعشوائية

 

أصبحت الزيادة الهائلة في أعداد الأرانب البرية كفيلة بتهديد الحياة الزراعية وبالتالي التأثير على استقرار القارة بأكملها.. ورغم أن أرانب "أوستين" جاءت إلى أستراليا في القرن التاسع عشر إلا أن القارة لا تزال تعاني حتى الآن نتيجة إهمال وجود أعداد صغيرة منهم في البداية.

 

نقوم أحيانًا بأخطاء صغيرة نتحمل نتائجها وحدنا ولكن أحيانًا يدفع المجتمع بأكمله ثمن أخطائنا.. واحدة من هذه الأخطاء التي سيدفع الجميع فاتورتها هي حالة التجاهل والتراخي التي أصابت البعض في التعامل مع وباء كورونا..

 

فالبعض أصبح يتعامل من منطلق أن الوباء مستمر لفترة طويلة لذلك يتجاهلون حقيقة وجوده حتى أصبح عدم التزام البعض بإجراءات الوقاية من الفيروس واحد من أسباب انتشاره وازدياد أعداد المصابين..

 

صناعة المحتوى للمواقع الاجتماعية

 

علينا أن نراقب أنفسنا ونلتزم –قدر استطاعتنا- بإجراءات الوقاية المطلوبة حتى لا نصيب أنفسنا ونؤذي الآخرين، خاصة أننا نعلم أن المنظومة الصحية ليست قادرة على تحمل زيادة أعداد المصابين لذلك نأمل أن تستوعب المستشفيات المرضى، ولكن هذا سيحدث عندما نستوعب جميعًا خطورة الأزمة.

 

الجريدة الرسمية