رئيس التحرير
عصام كامل

اكتتاب شعبي جديد

لم تكن أزمة كورونا سلبية في جميع جوانبها، فقد مثلت تحديا للدولة جعلها تنفذ العديد من التطويرات الضرورية في بعض القطاعات.. جاءت واحدة منها في صورة أعمال الصيانة والتطوير ورفع الكفاءة التي شهدتها مؤخرًا بعض المدن الجامعية على مستوى الجمهورية وذلك بعد قرار تخصيصها لعزل المصابين بكورونا أو استخدامها حجر صحي للمصريين العائدين من الخارج..

 

جاء هذا التطوير بالمدن الجامعية في مصلحة الطلاب والطالبات ممن سيقيمون بها بعد انتهاء الأزمة وكأن الوباء بكل سلبياته ومخاوفه أراد أن يترك لنا منفعة تمثلت في تحفيز الدولة على القيام بهذا التطوير الضروري.

 

ولأننا نمر بظروف صعبة ينال الجميع نصيبه منها وتقع مسؤولية مواجهتها على الدولة بمشاركة ومساندة من الجميع فإنني اقترح -في ظل حاجتنا الملحة لزيادة أعداد المستشفيات وطاقتها الاستيعابية- أن تقوم الدولة باكتتاب شعبي لبناء عدد من المستشفيات الجديدة وذلك لكي نشارك جميعًا في معركة مواجهة كورونا.

 

اقرأ أيضا: مدرسة السوشيال ميديا

 

لمصر تاريخ طيب مع الاكتتاب الشعبي.. التف خلاله المصريون وتكاتفوا بغرض تحقيق أهداف محددة.. لم يكن البطل هم الرموز أو النخبة ولكن كان الأبطال هم العامل والمزارع وأصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة الذين كانوا يتبارون في المشاركة في هذه الاكتتابات التي لم تقتصر المشاركة بها على الأغنياء فحسب.. ليمثل الاكتتاب الشعبي وقفة تضامن ومبادرة تجمع المصريين حول هدف محدد.

 

واحدة من هذه الاكتتابات جاءت عندما اشتد المرض بالشيخ محمد رفعت عام 1950 لينادي رئيس تحرير جريدة الأهرام وقتها بإعلان اكتتاب شعبي لجمع التبرعات بغرض المساهمة في علاج واحد من أهم مقرئي القرآن في تاريخ مصر.. ورغم رفض "قيثارة السماء" أن يحصل على الأموال الضخمة –بمقاييس زمنها- إلا أن التمكن من جمعها كان دليل محبة وتضامن لا يمكن تغافله..

 

وقبل هذه الواقعة بعقود كان قد سُمح لسعد زغلول ورفاقه بالسفر إلى مؤتمر الصلح في "فرساي" في أبريل 1919 لعرض القضية المصرية ليبلغ وقتها مجموع الاكتتاب الشعبي لنفقات الوفد آلاف الجنيهات.

 

اقرأ أيضا: مشاهد حول كورونا

 

وبعد ثورة 1919 بسنوات قليلة كان موعد المصريين مع اكتتاب شعبي آخر بغرض إقامة تمثال نهضة مصر الذي نحته الفنان محمود مختار ليعبر به عن شعورنا الوطني بعد أن صممه على شكل فلاحة مصرية تستنهض أبو الهول من سباته العميق لتكون رمزًا للنهضة.

 

أما أشهر اكتتاب لا يزال عالقا في ذاكرتنا فهو جمعنا لمبلغ 64 مليار جنيه في 8 أيام فقط لصالح إنشاء مشروع قناة السويس الجديدة..

 

الاكتتاب الشعبي المقترح في هذا المقال سيكون بغرض بناء مستشفيات جديدة لتطوير المنظومة الصحية ومواجهة أزمة كورونا.. والأمر لا يستهدف المواطن من ورائه تحقيق ربح أو عائد.. ولا يستهدف أيضًا تحميل المواطن عبئا لا يستطيع التصدي له في ظل ظروف اقتصادية تؤلم الجميع..

 

اقرأ أيضا: للعاصفة وجوه أخرى

 

ولكن الاكتتاب الشعبي سيساهم خلاله المواطن بما يرغب أو يستطيع ليصبح الأمر بمثابة مشاركة مجتمعية تعزز من شعورنا بالانتماء وتؤكد قدرتنا على الاعتماد على تكاتفنا في مرور الأزمة وليكن بعنوان (اكتتاب مواجهة كورونا).

 

الجريدة الرسمية