البسطاء يأكلون الحصرم والمليونيرات يتلذذون
في قرار لمجلس الوزراء تم الموافقة على مشروع قانون بشأن المساهمة التكافلية لمواجهة بعض التداعيات الاقتصادية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا المستجد.
وينص مشروع القانون على أن يُخصم شهرياً، اعتباراً من أول يوليو 2020، لمدة 12 شهراً، نسبة 1% من صافي دخل العاملين في كافة قطاعات الدولة، المستحق من جهة عملهم أو بسبب العمل تحت أي مسمى، ونسبة 0.5% من صافي الدخل المُستحق من المعاش لأصحاب المعاشات، للمساهمة في مواجهة بعض التداعيات الاقتصادية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا المستجد.
ونص مشروع القانون على أن يُعفى من نسبة خصم المساهمة المقررة وفق أحكام هذا القانون، أصحاب الدخول الذين لا يزيد صافي دخولهم شهرياً على 2000 جنيه، ويجوز لمجلس الوزراء إعفاء أصحاب الدخول بالقطاعات المتضررة اقتصادياً نتيجة انتشار هذا الفيروس من خصم نسبة المساهمة المنصوص عليها بالمادة الأولى من هذا القانون.
اقرأ أيضا: اليوان قادم فهل نحن مستعدون؟
وقد وافق الموظف المصري وصاحب المعاش –من غير الإخوان الإرهابيين الذين يقيمون مظلمات وسرادقات الآن للتشويه المتعمد في قنوات العمالة بتركيا وقطر بسبب هذا القرار، ويذكرون أن الدولة تظلم المواطن "الغلبان"، وكأنهم لا يقتلون هذا المواطن سواء في الجيش أو الشرطة او المواطن المدني، ويتمنون زوال مصر كلها، وكأن تركيا وقطر لم تخفضا المرتبات للعمالة وصلت في بعض الأحيان للنصف – على هذا القرار والوقوف بجوار الدولة..
واعتبر أن العلاوة التي أقرتها الدولة له كصاحب معاش وهي 14% قد صارت 13% ؛ بمعنى أنه لم يخسر شيئا وإنما زاد 13% ، وكذا اعتبر الموظف أن العلاوة التي أضيفت له بمقدار 10% هي بمقدار 9% ؛ بمعنى أنه زاد 9% ، وهكذا الخاضع لقانون الخدمة المدنية اعتبر أن زيادة يوليو تنقص واحد في المائة فلم يخسر شيئا في الحقيقة.
لكن السؤال المهم الذي يثار بمنطق اقتصادي حريص على المناقشة والفهم، هو لماذا تلجأ الدولة دائما إلى جيب المواطن الموظف أو صاحب المعاش البسيط عندما تريد أن تدبر أمرا ماليا؟ هل لأن ذلك المواطن مربوط لدى ساقية الحكومة من خلال مرتبه أو معاشه الذي يصرفه من الدولة فتتحكم فيه كما تشاء؟
اقرأ أيضا: خطورة أجهزة المحمول الرديئة
هذا الفكر لم يعد مقبولا في العالم الذي يبحث عن موارد اقتصادية حقيقية لإنعاش خزانة الدولة، بمعنى أن الدولة تعظم مواردها الاقتصادية من المشروعات والخدمات واستغلال أصول الدولة غير المستغلة الخ. ولكن بالفرض أن الدولة تريد أن تقتص من بعض الدخول لمساندة الدولة فينبغي أن تنظر إلى أعلى الطبقات والفئات في الدولة التي تعيش في بحبوحة من العيش والرغد الضخم، والذين في الحقيقة يعيشون على دم المواطنين البسطاء الذين يعملون لديهم في شركاتهم ومصانعهم، ويتقاضون أبسط الدخول في حين أن هؤلاء يستفيدون من ورائهم المليارات..
كما أن الدولة توفر لهؤلاء الأثرياء ورجال الأعمال كل ما يلزمهم لتضخم ثرواتهم وتيسر لهم كل ذلك بأسعار منخفضة عن العالم ؛ أي أن الدولة تساعدهم على تضخم الثروات وهم لا يريدون أن يردوا الجميل للدولة بل أن الدولة نفسها لا تريد منهم شيئا وإنما تريد من المواطن البسيط كل شيء!
وحتى يكون الحديث موضوعيا دعونا نرى الأعداد الحقيقية للأثرياء في مصر رغم أن الاقتراب من عالم الأثرياء ومعرفة أسلوبهم وطريقة تفكيرهم يعد أمرًا بالغ الصعوبة، فعالمهم مُسيج يصعب اختراقه، ويعيشون فى ما يُشبه بـ "الكويكب الذهبى"، حيث إنه كلما ارتفع الوضع الاجتماعى الاقتصادى والمكانة زادت قيود الخصوصية على حياتهم ومعيشتهم وبيوتهم ومتعتهم وممتلكاتهم..
اقرأ أيضا: الجشعون يمتنعون
فهناك شبكات اجتماعية مقصورة عليهم لتداول الثروة والحفاظ عليها وغلق منافذ الحراك إليهم، إلا أن هناك ما يمكن أن نعرفه عنهم ألا وهو حجم ثرواتهم ومركزهم وسط العالم وعددهم وأشهرهم فى مصر، وذلك من الإحصائيات العالمية التى تصدر عن توزيع الثروات فى العالم.
أحدث هذه الإحصائيات هى التقرير السنوى الذي أصدره بنك كريدى سويس، عن الثروات حول العالم، والذى كشف عن أن الثروات التي يملكها المصريون تضعهم في المركز 18 عالميًا، ورصد التقرير زيادة من تزيد ثرواتهم على الـ30 مليون دولار من 740 شخص في 2014 إلى 764 في 2019، متوقعا أن يصل هذا العدد إلى 1269 في 2024. ويضيف التقرير نفسه أن عدد من يملكون أكثر من مليون دولار في مصر زاد من 45 ألفا إلى 57.6 ألف شخص في السنوات نفسها ليزيد عدد المليونيرات في تلك الفترة 12.6 ألف مليونير.
أنظر أيها المسئول المحترم إلى هذا التقرير لديك في مصر 58 ألف يمتلك كل منهم أكثر من مليون دولار، يعني كل شخص منهم يمتلك 15 مليون جنيه في أقل شيء مع ما يمتلكه من ثروات عقارية وأسهم الخ، فلو افترضنا أنك أخذت من كل واحد منهم فقط 2000 جنيه لمدة 12 شهرا ذلك المبلغ التافه جدا بالنسبة لهم سيكون لديك ما يربو من ملياري جنيه..
اقرأ أيضا: عملاء القروض.. يا فرحة ما تمت
علما أنك لو زدت هذا المبلغ على 764 الذين تزيد ثرواتهم على الـ30 مليون دولار سيكون لديك حصيلة ضخمة جدا تساعد الدولة دون أن يشعر هؤلاء إلا كما يشعر الفيل عندما تنزل بعوضة على ظهره، لكن الواحد في المائة التي تخصم من الموظف ستؤثر فيه تأثيرا كبيرا لاعتماده على مرتبه البسيط أصلا في سد احتياجاته وأسرته ومواجهة ارتفاع الأسعار.