عليك الاختيار: الفلوس أم الفيروس؟
مع دخول العالم في المليون الثالث من المصابين بفيروس الفتك النقال، كورونا، ومع تجاوز رقم المائتى ألف وفاة، ثلثا الرقم فى أوروبا، يتعامل المصريون، مع دخول شهر رمضان، كأنهم هزموا الفيروس الذى لا يعرف أصلا ديانات ولا أعراق ولا يهمه القوة ولا الضعف.. يهمه فقط أن يدخل الرئة ليعيش ويتكاثر بالآلاف.
اختار المصريون نمط التعايش مع القاتل الخفى، ولجأوا إلى تبرير أن المصابين من مزمنى الأمراض هم فقط الراحلون المحتملون. فى الوقت نفسه، لا بد أن لجوء الحكومة إلى انتهاج سياسة التخفيف الجزئي، والإ عادت إلى حظر أشد، أوحى إلى الناس أن الفيروس تبخر مع النفحات الرمضانية.
بالطبع هذا مفيد جدا من الناحية النفسية.. لأننا فعلا تحت وابل يومى من الاخبار الموجعة.. فما من خبر إلا ويبدأ بكلمة تزايد. ارتفاع . وبعدها مصابين أو وفيات!
اقرأ أيضا: سلوك القطيع.. الرهان على العقل المعطل!
بطبيعة الحال، فإن الأخذ بمنهج مناعة القطيع في العالم، وتخفيف الدول من القيود وإعادة فتح الاقتصاد في جمهوريات عديدة، بل في ولاية جورجيا الامريكية، كلها عوامل مؤثرة فى خلق حالة عدم الإكتراث العام لدى المصريين.
أيضا ضاعفت تقارير الحر القاتل للفيروس، بعد إعلان ذلك من داخل الإدارة الأمريكية، (مستشار وزارة الأمن الداخلي للعلوم والتكنولوجيا) من جرعة الاستهتار جنبا إلى جنب مع جرعة التفاؤل.
فى المشهد كله، ومع شيء من التأمل، سنجد البشرية كلها عادت إلى متلازمة القلق الأبدى والاختيار السرمدى:الفلوس أم الصحة؟
الفلوس تعالج المريض فى أرقى المستشفيات وعلى أيدى أمهر الأطباء. فالصحة تاج.. هذا صحيح لا يراه إلا غنى مريض على رأس شخص صحيح البدن، فقيرا أو غنيا.. لكن.. الفلوس هى العلاج والطعام والشراب والتعليم والمواصلات والملابس والترفيه والسيارات والسفر والقوة والمغالبة والتحكم.
شخصيا اخترت مبكرا جدا وناديت ربى بما أتمناه : الصحة والستر. احمدك ربى سبحانك.. اعطيتنى الهدية الرائعة.. الصحة والستر.. لكن هذا على المستوى الشخصى.. وفى أوقات يتم فيها إغلاق الوظائف بالملايين، وإغلاق بيوت بالملايين، تنتقل المعادلة الجبرية من شخص إلى شخوص ومن الشخوص إلى الدولة..
اقرأ أيضا: ملاحظات أولية على الإعلام والكورونا النفسية !
في حالة الدولة تكون المسئولية: الفيروس أم الفلوس؟
نفس الموازنة: نعطل الاقتصاد بغلق الحياة وحظر الحركة حفظا للأرواح أم نضحي بالبعض، وهو ليس بالكثير، ونترك الفلوس تتدفق لإطعام وإعاشة الملايين.. معادلة كونية لا فرار منها، واجهها الإنسان منذ خلق، وتواجهها الدول على امتداد الكرة الأرضية.
حين تأخذ بسياسة دع من يعيش يعيش ومن لا ينجو يرحل، فإنك في الحقيقة انتهجت سياسة انتقائية وللأسف، فإن نصف موتى أوروبا هم من كبار السن بمؤسسات رعاية المسنين. تركوهم.. فكان الاهتمام بالأصغر سنا...
الانتقائية فيمن يبقى بالعلاج وفيمن يرحل بالحرمان من العلاج هى ذاتها الفكرة النازية التى حاربتها أوروبا.. لا ندين هنا ولا نستحسن.. إنما نرصد ونسجل للتاريخ.. كيف أن الإنسان لا يصير إنسانا، مهما تحضر وتأنق، عند وجوب الاختيار: الفلوس أم الفيروس؟
هذا ما وضعه الله سبحانه أمامنا.. مباشرة.