رئيس التحرير
عصام كامل

سلوك القطيع.. الرهان على العقل المعطل!

متى يراهن الإنسان؟ يراهن حين تكون احتمالات الربح أعلى من مؤشرات الخسارة. هذه بديهية يمكن أن تصلح للتعامل الفردى اليومي. بين فرد وفرد. بين فرد وطموح يراوده. لكن هل المراهنة تصلح مع شعب بأكمله تتنوع ثقافته وتختلف إدراكاته، وتتباين ردود فعله تجاه المخاطر العامة؟

 

من الخطأ الجسيم الاعتقاد بأن وعى الشعب المصرى، الموروث الديني والثقافي والاجتماعى، كاف لمواجهة الوحش الخفى المختفى الذي يحصد أرواح عشرات الآلاف من البشر ويدمر اقتصادات الدول الكبرى، ويدهس بضراوة محفظة نقود الدول الصغيرة هشة الاقتصاد.. وحتى المتوسطة أيضا.

 

الرهان على وعى الشعب المصرى مجازفة قد تلقي بنا إلى المدافن الجماعية. عفوا لقسوة وفجاجة التعبير. لماذا نقول هذا؟ هل فشل الإعلام فى تنبيه وتوعية الناس؟

 

اقرأ أيضا: كورونا ينقذ الدولة الوطنية !

 

لم يفشل. صوته بح. هو يبلغ. ناس مثقفة ومستنيرة تفهم وتدرك وتستجيب. كم عدد هؤلاء؟ القطيع يرعى فى الغيبوبة، لا يهمه فيروس. ولا فاهم فيروس. ولا مدرك أنه ربما كان وعاء ناقلا لقنبلة بيولوجية صامتة لرئايه وقلبه ولأهله وأهل الحى وللمصنع الذي يتكسب منه.

 

القطيع يرعى فى الشوارع الخلفية.. المقاهى السرية وغير السرية.. الحظر الشكلي فيها.  الطرق العامة لا صوت إلا صوت القانون. الشوارع والعزب والأزقة.. فى الأحياء الشعبية والقرى لا صوت يعلو على صوت كورونا.. متربصة متهللة. أمامها كل ليلة وجبة عشاء هائلة من الراقصين والراقصات والمتعاطين.. أفراح وليال ملاح..

 

اقرأ أيضا: العالم في خطر

 

أهل الأفراح وأهل الأتراح.. هم طعامها..

القطيع المحمل بالفيروس يعود لأهل بيته. ينفخ ويكح ويعطس وينثر الرذاذ.. يصيرون مثل الزومبى... يقوم الصبح إلى عمله.. كيف يصل عمله؟

يصله في ميكروباص. فى توكتوك. يقبل هذا ويحتضن ذاك. يصيرون مثل الزومبى محتمل! يذهب إلى المصنع أو الشركة أو الهيئة.. يجد أناسا وضعوا كمامات وبآيديهم مطهرات.. يسخر: يا عم خليها ع الله... محدش حيموت ناقص عمر!

القطيع لا يصدق أن الفيروس لن يرحمه ولن يرحم البلد. كم هائل مستفز من البلاهة والاتكالية والجهل.. منتشر.. ولم يعد مقبولا على أي نحو التسليم بأفيون يسمى الوعى وجينات التحضر..

كلا!

الجهل مطلق ومطبق. من المعتمدية إلي بنى سويف إلى قرى في المنوفية. والناس تداري علي بعضها.. تخفي مرضاها وهم يقتلونهم بهذ الإخفاء والغباء. يخفون مريضهم خوف وصمه بكورونا. أذكر ذلك الخوف الإجتماعى وقت إنتشار السل في العالم وفي وقت من الخمسينيات في مصر. كانت كلمة يا مسلول.. مرعبة.

 

اقرأ أيضا: الدولة الأبوية.. مصر نموذجا!

 

لم نعد نخاف من بعد اكتشاف علاج للسل إلا من وحش كاسر هو السرطان. تبين أن هذا الوحش على قسوته بطيء الشهية. يمهل مرضاه شهورا وغالبا سنوات وسنوات.. يمهد لأهل المريض ويتيح لهم الاحتضان فى أمان بلاخوف من العدوى.

إلا هذا الحقير الخطير.. ناقل العدوى سريع التغلغل..

إن عشرة أيام من الإخفاء أو الإهمال أو عدم الإبلاغ تعنى فتح كيس، ومن بعد الكيس مقبرة تغلق لثلاثة أشهر كاملة.. لا يدفن فيها سواه!

لابد أن نعيد النظر إذن فى التسليم بأن الناس ستسمع الكلام. الناس لايسمعون سوى صوت العقاب.. والمحاسبة. القانون الصارم بلا رحمة يحمى أرواح ملايين المواطنين من انفسهم الجاهلة أو الحمقاء أو المتواكلة أو المستهترة.

 

مرة أخرى ننبه أن الشوارع الخلفية فى محافظات عديدة بمراكزها وقراها... تعيش حياتها.. كأن البلاد بلا مصيبة محتملة وكارثة مؤجلة.. تنفجر فينا إن أبقينا على سلوك القطيع المستهتر والمتواكل.

الحظر ليس للطرق العامة فقط.. مطلوب حملات مداهمة لسرادقات الأفراح والجنازات والعزاءات والتحشيشات!

 

الجريدة الرسمية