برميل البترول "ببلاش" وعليه 38 دولار هدية!
للمرة الأولى في التاريخ منذ معرفة مادة البترول ينهار سعرها لدرجة أن الخام الأمريكي "خام غرب تيكساس"، الأجود فى العالم والأعلى سعرا وصل سعره لأقل من سالب، أي إلى ناقص 37.63 دولار للبرميل، ما يعني أن المشتري يأخذ العقد مجانا، وفوقه 38 دولارا للبرميل من البائع!
فما أسباب ذلك؟ وهل ستتأثر مصر؟ هذا ما نحاول أن نجيب عنه في هذا المقال المختصر ، فبداية بدأ ارتفاع النفط الخام منذ عام 1970 من أقل من دولار للبرميل الواحد إلى ما يزيد على مائة دولار قبل بضع سنوات، وقد بدأ بالانخفاض إلى أقل من خمسين دولارا مؤخرا وتزايد هذا الانخفاض بعد ظهور فيروس كورونا إلى ان وصل إلى اللا سعر أو دون سعر لماذا؟
من المعروف أن البترول ما هو إلا سلعة تخضع للعرض والطلب ، ويتم التداول عليه فى البورصة ، من خلال آلية العقود الآجلة ، التي بمقتضاها يتم شراء براميل النفط ولكن فى المستقبل وفي المقابل أيضاً يلتزم البائع ببيعها على أن تكون الأسعار محددة سلفا ، وأغلب عقود النفط تباع ورقيا ، بمعنى أن من يضاربون فى أسعار النفط ليسوا بالضرورة تجار نفط ، بل يتجهون للمضاربة على الأسعار لتحقيق مكاسب مستقبلية.
اقرأ أيضا: خطورة أجهزة المحمول الرديئة
وطبعا مع فيروس كورونا انخفض الطلب على البترول فمع وجود أكثر من مليار شخص في العزل المنزلي لمنع تفشي فيروس كورونا ، أدى إلى انهيار الطلب على الوقود مثل البنزين، فامتلأت الخزانات بشكل سريع مع عدم وجود مكان يذهب إليه النفط، فانخفض السعر إلى المنطقة الحمراء.
وتفاقم انكماش الطلب مع زيادة المعروض يوميا في ظل حالة الإغلاق الكبير التي تهدد جميع القطاعات على صعيد الاقتصاد العالمي، مما خلق الأزمة نتيجة وجود عرض أكبر من الطلب.
فانخفض الطلب على البترول فى الولايات المتحدة والدول التى كانت تستحوذ على نصيب من صادرات الخام الأمريكى مثل كندا، وكوريا الجنوبية ، والهند وهولندا وإيطاليا والمملكة المتحدة والصين ، ونتيجة تقليص احتياجات هذه الدول ظهر الفائض بالإضافة إلى امتلاء خزانات الوقود الأمريكية بصورة لم تعد تستقبل معها كميات إضافية..
اقرأ أيضا: التفكير خارج «صندوق» النقد الدولي
الأمر الذى يجعل الاحتفاظ بالخام الأمريكي عبئا كبيرا على التجار نظرا لارتفاع تكلفة التخزين قياسا على الظروف العادية، فيمكن للتاجر أن يتحمل بيعه بالسالب بدلا من دفع تكاليف إضافية في عمليات استئجار أماكن للتخزين سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها.
وهنا تأتي أسئلة منها مثلا لماذا لا تبادر مصر وتأخذ البترول من أمريكا بأسعار متدنية في هذه الظروف؟ وطبعا الإجابة عن ذلك ان مصر ليست من المجموعة التي تشتري البترول من أمريكا أي ليست "زبونا" دائما لدى أمريكا، وفى نفس الوقت فأمريكا –مثل أي تاجر– يفضل زبونه الدائم على المستجد او "الطياري"، ثانيا مصر تستورد ما يعادل 35% من الخارج وتعتمد على الدول العربية خاصة السعودية في ذلك..
ولا يمكن تخسر المورد الأساسي في مقابل صفقة غير مستديمة، كما أن هبوط البترول الأمريكي سيصل للتعادل مع أسعار البترول في الدول العربية التي نستورد منها مما يعني عبث الاستيراد من أمريكا .
ونجد أن البعض يذكر أن هبوط أسعار البترول عملية مقصودة وحرب بين امريكا والصين، أو نوع من تكسير العظام بين القوتين العظميين وهذا تفكير يبدو أنه غير منطقي لسبب واضح ، وهو أن هاتين القوتين هما أول من يتأثر من هذه الأزمة بشدة ، فهما يعتمدان في الأساس على حركة التجارة في العالم ومع الانكماش والكساد في سلعة هامة مثل البترول يتم التأثير على باقي السلع بالطبع..
اقرأ أيضا: الجشعون يمتنعون
فتتأثر حركة التجارة بمعنى أن عندما تتأثر اقتصاديات الدول المصدرة للبترول والأكثر غنى وهي السوق الأولى للمنتجات الأمريكية والصينية، فإلى من ستبيع أمريكا والصين منتجاتها التجارية من كافة الأنواع والأصناف؟
ثم يأتي السؤال المهم هل ستتأثر مصر بهذه الازمة؟ الإجابة بالتأكيد ستتأثر خاصة لو استمرت أزمة ركود البترول وانهيار أسعاره في العالم، والتأثر يكون إيجابيا بصورة بسيطة مثل توفير ملايين الدولارات في موازنة البترول لكن التأثر السلبي أكبر..
وهذا يعود إلى أسباب عديدة أولها أن مصر تعتمد على الشريك الأجنبى فى عمليات البحث والتنقيب والاستخراج للزيت الخام وتنمية الآبار وصيانة الحقول بصورة دورية ، الأمر الذى يرفع تكلفة الإنتاج بمعنى أن الشركات الأجنبية لا يمكن أن تعمل في ظل وجود أسعار ما بين 20 إلى 25 دولارا للبرميل ، فلا يمكنها بهذه الأسعار الوصول إلى التكلفة الحقيقية للبرميل..
بالإضافة إلى تحمل كل الخسائر المرتبطة بالعمالة والخدمات والصناعات المرتبطة بالبترول. وتراجع الشريك الأجنبي عن عمليات البحث والاستكشاف، أو وقف الإنتاج يخلق أزمة وضغط على السوق المصرية والصناعات الاستراتيجية الهامة المرتبطة بالبترول بصورة مباشرة، وما قد يترتب على ذلك من نتائج سلبية.