كيوم ولدتني أمي
ابتلعت همومي، وبت ليلتي أبحث عن غفوة، حتى تنبهت لصوت سعدية. نادتني لتوقظني فأخبرتها بأن جفناي لم يتذوقا طعم النوم، فربتت على كتفي وطمأنتني بقولها إنني حتما سوف أنجب البنين والبنات، وأن عقدتي سوف تحل قريبا. ثم طلبت مني تغيير ملابسي، ففعلت وخرجنا بينما الظلام لم يلملم كل خيوطه بعد.
كانت سعدية تحمل “جركن” كبيرا مملوءا بالماء وكوزا معدنيا. مشينا ومشينا حتى ابتلعتنا الصحراء. اجتزنا الكهف الكبير، ووقفنا عند حجر عظيم مستدير مفرغ من المنتصف.
طلبت منى سعدية أن أخلع ملابسي عني، فأعود كيوم ولدتني أمي. رفضت. أصرت. تمنعت. ضغطت على وأخبرتني أن فى ذلك يكمن الحل، وأنها طريقة مجربة، وحكت لي قصصا عن زوجات عقيمات فعلن ذلك، فزرعت في أحشائهن النطف من فورهن. نفذت تعليماتها، وكلي إيمان بأن ذلك ليس سوى شعوذة، لا طائل منها.
اقرأ ايضا: عجوز يكتب التاريخ على حذاء
تجردت من ملابسي. أبعدتها هي، ودخلت في تجويف الحجر. تكورت مثل جنين، جلست ورأسي بين فخذي، وراحت هي تصب الماء علي. فعلت ذلك وهى تتمتم، وفجأة اختفى صوتها وتوقف انسياب المياه فرفعت رأسي ناظرة نحوها فلم أجدها.
نهضت في وجل، فوجدتها تركض بسرعة. خفت. ارتعبت. صرخت وأنا أركض للحاق بها، وذراعي اليمنى تغطى صدري، ويدى اليسرى تخفي مكمني.
لماذا فعلت ذلك؟! المتآمرة. تريد فضيحتي. كيف سأعود لبيتنا؟ ماذا لو رصدتني عين وأنا أجرى عارية مثل امرأة مجنونة!.
أسئلة كثيرة دارت في رأسي. كرهت سعدية. تمنيت لو ألحق بها فأضربها. أخنق عنقها بيدى. أقتلها. أصرخ في وجهها. أسبها بأحقر الشتائم التي سمعتها من أمي ونسوة الشارع حين ينادين بناتهن.
اقرأ أيضا: كيف تتجنب صدمات النهايات؟
ظلت تركض وأركض خلفها، والخوف يفترسني. حتى لحقت بها فانفجرت ضاحكة. انهرت باكية ولم يخل وجهى من علامات الدهشة. كيف تسرق ملابسي وتتركني عارية أواجه مخاوفي وفضيحة قيد الانتظار، ثم تتوقف لتضحك؟ هل فقدت جادة صوابها؟ أم جنت!.
انتابتني موجة من العويل. تشنجت أعصابي. فكفكفت سعدية دموعي بأناملها، وأفهمتني أن ما حدث هو جزء من اللعبة والعلاج، فالخضة تفك عقم السيدة وتفتح المجال لحبلها! بالخوف نبحث عن الأمان: الخلفة أمان.. الذرية أمان.
اقرأ أيضا: عمرو أديب.. سائق ميكروباص
نفضت الرمال عن جسدي، واغتسلت بما تبقى من ماء في الجركن. سرنا في طريق العودة، بين بيوت العرب، ووصلنا للبيت قبل الظهر. دخلت غرفة أمي. استلقيت في حضنها وبكيت حتى نمت.