رئيس التحرير
عصام كامل

جنة كورونا الموعودة

رغم المطالبات والمناشدات الحكومية والمجتمعية بالبقاء فى المنزل، وعدم الخروج منه إلا للضرورة القصوى سواء للعمل أو لشراء المتطلبات المنزلية الضرورية من طعام ودواء، مع مراعاة الضوابط الصحية للحد من تفشي فيروس كورونا المستجد، نكتشف أن فئة صغيرة من الناس هم من يحاولون قدر الإمكان الالتزام بالمكوث فى المنزل..

 

وحال الخروج منه يرون كما لا متناهيا من العبث، يجعل الجميع وفق بعض المنشورات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعى، قد يراهن مستقبلا على "وعى الفيروس" وليس المصريين!

 

وحتى لا أتهم أننى لا أشعر بمعاناة البسطاء أو بمدى احتياجهم للنزول إلى أعمالهم وأنا منهم، أكرر أن كل نزول إلى الشارع حاليا فى غير ضرورة للعمل أو لجلب متطلبات المنزل الضرورية، مع مراعاة الإحتياط الصحى قدر الامكان، هو نوع من العبث الشديد والاستهتار البالغ.  

 

اقرأ أيضا: ريشة فى مهب الريح

 

فى الحى الشعبي المزدحم الذى أقيم به اضطررت للنزول إلى السوبر ماركت المجاور لشراء بعض التزامات المنزل والمرور على الصيدلية لشراء دواء، واخترت توقيتا هادئا قبل تطبيق موعد الحظر فى تمام الثامنة مساء، إلا أننى وجدت مشاهد أصابتنى بالحسرة بل والرعب.

 

مجموعة من شباب الحى يتخطى عددهم العشرة تقريبا، يجلسون على ناصية إحدى الحارات الضيقة فى حيز لا يتعدى قطره مترين يعبثون فى هواتفهم، يمزحون بالأيدي والألسنة والتقارب الشديد كعادة تلك المراحل العمرية، فى مشهد أصابنى بالاحباط البالغ بل واليأس والتشبث أكثر برحمات الله بنا.

 

مشهد آخر لا يقل عبثية عن سابقه، حينما وجدت تلك العادة الذميمة القبيحة منتشرة بين معظم بائعى محلات الحى بل وفى أحياء أخرى وهى عادة بل الأصبع بلعاب الفم لتناول كيس بلاستيك، وبالتالى يلتصق لعاب البائع بالاكياس فى أجواء تليق بعبث "كورونا" بأرواحنا كيفما يريد، ورغم أنى نهرت البائع على هذا السلوك المشين ورفضت الشراء منه منصرفا، إلا أنه تمتم مرددا: "انت بتصدق الكلام ده"!

 

اقرأ أيضا: مشاهد من الحياة

 

اقترب موعد الحظر وسارعت الخطى إلى المنزل فى اتجاه العودة، وأقطن فى شارع رئيسي متسع نسبيا، ثم تنامى إلى سمعى أصوات فرامل سيارات قادمة فى سرعة بالغة، وسيارة مسرعة فى مقدمة الموكب تترنح يمينا ويسارا فى أجواء أصابت المارة القليلين بالرغب خوفا من انفلات المقود من السائق المتهور، وكنت منهم إذ فررت سريعا إلى رصيف مجاور كان لحسن الحظ خاليا.

 

وقف السائق الأرعن بعرض الطريق ثم تبعته سيارات متتالية يعلو بها التصفيق والزغاريد ونزل جميع من بها لكى يتموا زفاف عروسين إلى منزلهما، واستغل الجميع حالة الهدوء النسبي فى المنطقة لتكوين حلقة بشرية كبيرة فى قلب الشارع، تخللها الرقص والتصفيق وحمل العريس والقاءه فى الهواء، فى حالة من تلاحم غير واعى، ينذر بعواقب وخيمة قد لا نعرف فداحتها إلا بعد أن تجر الإصابات "العاطل فى الباطل".

 

نعم هناك دول كثيرة سيطرت بشكل نسبي على تفشي الفيروس نتيجة إلتزام أفرادها بمعايير السلامة، ولكن فى حالتنا تجسدت أزمة فيروس كورونا لدينا مثلها مثل أغلب جميع سلوكياتنا، حماسا فى البدايات ثم خفوتا إلى النهايات.

 

اقرأ أيضا: اعترافات مؤجلة

 

استهتار تام أرعن بقاتل خفى لا يعرف له علماء العالم قاطبة أى علاجات حتى الآن، ولا أعلم صراحة من أين أتينا بهذه اللامبالاة والعشوائية، رغم مناشدات الحكومة ومساعدتها الجميع على الالتزام مع مراعاة احتياجات النزول الضرورية، بقليل من الضوابط الصحية عن طريق تقليل الاختلاط.

 

وجدت بعض الأفكار عبر شبكة الإنترنت لتغطية الأنف والوجه حال ضرورة الخروج، تصنع بمكونات منزلية بسيطة وذلك لمن لا يملك شراء الكمامات، وإن كنت لا أعلم درجة مساهمتها فى الوقاية لكن ربما تكون أفضل من لا شئ.

 

 بها فقط نتعلق، برحمة الله فى نجدتنا من هذا الوحش الفتاك، وهذا هو المخرج الوحيد لنا إن قدر عز وجل لنا الحياة، فلو كان بيننا خمسون يلتزمون بالوقاية، فأمامهم خمسة آلاف يمتازون بالعشوائية، يغرسون بذور الموت فى كل مكان، ويصنعون لـ"كورونا" جنته الموعودة، نناشدكم لوجه الله ومن أجل أحبابكم الالتزام حتى تمر هذه العاصفة القوية وتعبر بإذن الله وكلنا أمل فى عناية الله ولطفه.

الجريدة الرسمية