اقتلوا رجال الأعمال أو انفوهم
لم تكن الرسائل الواردة على شبكات التواصل الاجتماعي تبعث على الارتياح كعادتها هذا المساء، فانحرفت إلى جانب نافذة تطل على أشجار قديمة وارفة أتحرى بعض أفكار، وللخواطر تداعٍ غريب..
حيث تسلمك الواحدة لرفيقتها، وتنحو بك إلى عالم تشكله بطريقتها غير العفوية، فما أن تسلم نفسك لخيط من الإحباط إلا وتتداعى إليك كافة أطياف اليأس لتنهش بقية الهدوء الذي تحاول الاحتفاظ به.
قررت الخلاص من تلك الجلبة القاتلة بالمرور على ذلك العالم المدهش في اليوتيوب، لتقر عينى بنبأ سار أو أطروحة تبعث في النفس بعض أمل قد ضاع وسط عتمة الأفكار الممهورة بتوقيع الإعلام الاجتماعى، وسيادة روح الجمهرة بكل ما أوتيت من قوة عابثة بما قد تحتفط به من منطق في رأسك..
اقرأ ايضا: فوائد كورونا
تقرير مفصل عرضته قناة سي إن إن الأمريكية يدور حول أكبر مزرعة برتقال في العالم، المزرعة بحجم مدينة بيروت يملكها رجل أعمال مصرى هو شريف مغربى وهو رجل أعمال يطلق عليه لقب "رجل البرتقال في العالم"، يصدر منتجه إلى ٥٧ دولة..
ومزرعته تقبع هناك وسط فيافٍ واسعة لم تجد من يلونها باللون الأخضر، إلا أمثاله من الجادين.. اخضوضرت أينعت وأثمرت وآتت أكلها بإذن ربها، وصارت واحدة من معالم القدرة المصرية على التواجد بقوة في السوق العالمى، يقولون أن ثمارها ليست ككل الثمار وانتاجها ليس ككل الإنتاج.
اقرأ ايضا: فساد "فاكسيرا" قضية أمن قومي
فكرت قليلا في تداعيات لو أنى كلفت زميلا صحفيا بفيتو لإعداد تقرير مصور عن هذا الإنجاز كيف سيتلقفه القارئ المصرى، غير أن هذه الخاطرة اصطدمت بواقع مرير يحيط بنا، دون أن نتباحث كيف تسرب إلى وجداننا نحن أصحاب الأقلام والرسالة الإعلامية..
سيقول بعض الزملاء إن التقرير مدفوع الأجر وسيتهمنا آخرون أننا على علاقة "ما" برجل الأعمال الذي لا أعرفه، وسيرى فريق آخر أن شريف المغربى يسوق نفسه لمنصب ما، أو أنه قرر دخول عالم السياسة من بوابة البرلمان مثلا!!
بين هدأة الليل وسكون العاصمة التي لم تسكن من قبل، كانت إحدى يداى تقبض على ذلك اللوح الصغير، بينما تصارعها الأخرى أن تكتب شيئا وسط هذا المحيط الهادر والغاضب والمساق إلى حيث تريد الجمهرة، حول رجال مصريين قدموا لضميرهم الإنساني ما يجعلهم راضين، غير أن تلك الرغبة اصطدمت بهذه الأمواج العاتية من شكوك تتضارب، وغضب مدفون لا يخفى حقدا تتلقفه أياد خبيثة لتصب عليه زيتا ونارا وعبثا.
اقرأ ايضا: سقوط الإنسانية في امتحان كورونا
على جرأة فعلتها السي إن إن وعلى استحياء نقلتها وسائل إعلام مصرية، وعلى خجل تصمت الأصوات العاقلة خشية التهمة.. تهمة مناصرة رجال أعمال، وهى التهمة الثابتة بلا أوراق على الجميع، على رجال الأعمال المخلصين، وعلى غيرهم من " الهليبة" الذين اغتنوا بليل، اختلط الحابل بالنابل، ودارت رحى معركة ذهبت بالعقل والضمير إلى ساحة الدفاع عن النفس، ضد تهمة تخرجك من الملة بلا أوراق ثبوتية أو شبه أدلة أو حتى قرائن واهنة.
يقول الأديب والشاعر والقاص الإنجليزي كبلنج في "كتاب الأدغال" واصفا القردة "إنها شعب فوضوى، لايحترم دستورا ولا يتبع قانونا، ولا يجل رئيسا من الرؤساء، ولا تتعظ بما مضى، وأبرز شيء في القردة مركب النقص الذي يتملكها، ولذلك كل همها أن تتحدث وتفاخر وتتظاهر بأنها على وشك أن تأتى بجلائل الأعمال، ولكن سقوط جوزة واحدة بينها، يحول أذهانها عما تفكر فيه، فتصخب وتتقاتل دون هدف أو داع للقتال، وعندما تنتهى معاركها الحامية، تنصرف لشأنها هادئة وقد تركت أشلاءها وراءها ليراها سائر حيوانات الغابة"!!
هل كان كبلنج أول إنجليزي حاصل على نوبل والراحل عن عالمنا في عام ١٩٣٥م يصف عصر الجمهرة ويرى المستقبل؟ أم أنه يظل كما وصفه جورج أوريل "نبى الإمبراطورية البريطانية؟ وأنه مجرد متحدث باسم الاستعمار، ولا يعتد بوصفه باعتباره عنصرى النزعة رغم مدحه لهؤلاء الجنود السودانيين الذين حاربوا قوات بلاده بشجاعة منقطعة النظير!!
اقرأ ايضا: أردوغان.. بين المغامرة والمؤامرة
تتوالى التعليقات النارية كشريط سينمائى يطلق ثلة من النور تشق الظلام، ولا تنير الطريق إلا أمام تلك الصور العابثة والعبارات العنصرية التي أراد مشغل الفيلم لها أن تعبر، حيث بؤرة العقل الجمعى الأعمى فتصم هذا بالخائن، وتصف ذلك بالعميل، وتهب فلانا لقب جشع، وهكذا عليك أن تنتظر من سلة الأحكام مايناسب قائد الكتيبة الإلكترونية في زمن الإعلام الهائم والعائم على بحيرة أسلحة الدمار الاجتماعى الشامل.
ثلاثة فرق هاجمت بضراوة رجال الأعمال، العامل فيهم والعاطل، صاحب الحق فيهم ويد الباطل، البانى منهم والممسك بمعاول الهدم، الكل سواء.. الفريق الأول جمهور عريض من الطيبين الذين استسلموا وسلموا عقولهم لفريق خبث النار..
أولهما فريق الجماعة الإرهابية والثانى فريق الأكلة على كل الموائد أما الجماعة الإرهابية فهي تلك الجماعة التي ابتهلت بالدعاء على قادة من الجيش المصرى وصورت للعامة أنهم قضوا بداء كورونا انتقاما من الله في عليائه، وعندما أصاب الفيروس بعض قادتهم قالوا لنا إن الله مبتلى المؤمنين..
اقرأ ايضا: استقرار المملكة.. استقرار للوجدان
أما فريق أكلة السحت والدائرون على كل الموائد العفن منها والعطن، فهم هؤلاء الذين تراهم في كل عصر، وهم يتحنجلون على خشبة مسرح المسخرة الإعلامية، يقتاتون من نهش لحوم الناس، وأكل الأموال بالباطل، والانشغال بفنون النهب والهلب، ولسان حالهم يردد دوما: ستحيا طالما امتلكت القدرة على تغيير جلدك.. هم فرق الحرباوات الملتصق كالزيت بجدر أوانى الطهى في قنوات الوجبات السريعة، وصحف الغوانى، ومواقع البورنو والسحاق.
على أن التعميم آفة كل حكم نطلقه على عواهنه دون التفريق بين من يبتغي الصلاح ومن يرنو إلى النيل أو تحويل الأمر إلى فرائس يستطيع أن يصيب منها بعض مال، أو موقع، أو منصب، في زمن تتغير فيه المواقع بين ليلة وضحاها، وتتوزع فيه بعض المناصب وفق منهج شاذ ومبتور.. نعم هناك مخلصون يبتغون وجه الله والحقيقة، وهناك عابثون صناعتهم تصدير الكراهية والحقد والبغضاء.
وللجماعة الإرهابية قانونها ومنهجها ودستورها مثل غلاة الصهيونية فمن معهم فهو مكرم، ومن ضدهم فمن البهائم التي يحق للإخواني اكل لحمه وسبي نسائه والاستمتاع به حيا وميتا، على أن فريق أكلة لحوم البشر من إعلاميي زمن النكبة فإن وطنهم الجنيه، ودينهم الدولار، ودستورهم التكويش، وكلا الفريقين بحاجة إلى الآخر والتحالف بينهم جرى في عام الإخوان الأسود، ولايزال بينهما خيط هدم مربوط!!