فوائد كورونا
خلف كل كارثة يكمن خير لمن يراه، فكورونا رغم قسوته وقدراته الفائقة في الانتشار، ورعبه المبرر وغير المبرر فإنه يبقى نذيرا لمن أراد أن يتعلم من الكوارث، ويتعاطى مع تداعياتها الإيجابية، فضبط الشارع المصري واحد من القضايا التي أسهم خطر كورونا في إعادة دراسته بجدية..
اضف إلى ذلك أن مصطلح "النظافة" الذي تغير مفهومه لدى المجتمع المصرى بدأ يستعيد معناه الحقيقي، فالبيوت المصرية اتخذت من الإجراءات الجديدة عنوانا حقيقيا للنظافة بعد غياب لسنوات طويلة، كما أن عودة نموذج رب البيت إلى دوره بعد الفرض الاختياري لحالة العزلة، التي فرضت عليه أن يقضى أوقاتا أطول بين أهله وأبنائه وزوجته..
اقرأ أيضا: العزلة سر الانتصار على كورونا
وما يستتبع ذلك من عودة لوئام مفقود بين الأسر المصرية يعد ثانى مكاسب كورونا دون أن نتجاهل أن الأم المصرية وجدت نفسها في مواجهة مع مجتمع يكاد يخلو من الأكل الجاهز، خصوصا لو علمنا أن سلسلة مطاعم عالمية كادت أن تفلس في مصر، لأنها لم تكن تعتمد نظام التوصيل بسبب كسل الأسرة المصرية وفي القلب منها الأم التي نحتفل بعيدها في هذه الأيام.
ثالث إنذارات كورونا لأصحاب القرار ما نتج عنه من تداعيات دولية جعلت أمريكا تعزل أوروبا بقرار انفرادي، وحالة الغضب التي اجتاحت الأوروبيين فيما بينهم، عندما فرضت كل دولة على نفسها عزلة في التنقل والتصدير، وبالتالى هددت حالة الانكفاء الذاتى دولا في مأكلها ومشربها ودوائها.. هذا الأمر يعيد إلى الأذهان حالة التربص التي تبنتها الدولة لسنوات ضد المنتج المحلى.
اقرأ أيضا: "الندالة" شعار الأسرة الدولية في مواجهة كورونا
في زمن استيراد كل شيء حاصرنا مصانعنا بمنتجات رخيصة، دون أن ندرك أن قضية الاكتفاء الذاتى لم تعد رفاهية ولا اختيارا، وعلينا أن نتذكر قضية استيراد الدجاج المجمد من الخارج بأسعار بخسة، مما هدد وجود وبقاء المنتج المصري، ونتذكر أيضا قضية استيراد كتاكيت البط الفرنسي، وإغراق الأسواق بها دون أن نتدارس خطر هذا الأمر على مزارعنا المصرية التي تنتج أكثر من عشرين مليون بطة، تكاد تنهار من أجل اثنين من المستوردين.
صناعات كثيرة قتلها حصار الاستيراد، إضافة إلى نهج الدولة الذي لا يشجع الإنتاج، ويضع أمامه العثرات، ويحاصره بترسانة من التعليمات والقرارات والقوانين، دفعت البعض إلى الهجرة الطوعية من خانة الإنتاج إلى خانة الاستيراد، التي تحقق أرباحا كبيرة بصرف النظر عن المسئولية الوطنية.. ربما كان ذلك أحد الإشارات التي دفعت الرئيس إلى التوجيه بالاهتمام بالقطاع الصناعى.
اقرأ أيضا: متضامن مع إيران
الإنتاج لا يتوقف على قضية الصناعة وحدها، فالعزلة الدولية المفروضة بقرار من فيروس لا يرى بالعين المجردة تدفعنا إلى تدارس أوضاعنا الزراعية والإنتاجية بشكل عام، وموقعنا من خريطة الاكتفاء الذاتى، إذ لم يعد شراء العبد أفضل من تربيته، فالعبد الذي كنا نشتريه أصبح سيدا يرفض البيع، بعد أن اكتسب كل صفات الأسياد وعز علينا، وأصبحنا في خطر حقيقي يرتبط بالأمن الغذائى والدوائى بل بالأمن القومى بشكل عام..
فيروس كورونا يحذرنا بأن من يمتلك قوته يمتلك البقاء، ومن ينتظر شراء العبد فإن الموت جوعا ومرضا في انتظاره.