الموت والحياة
يعيش البشر حالة من الذعر والخوف والرعب منذ أن إبتلاهم الله تعالى بفيروس الكورونا مخافة الموت، وغاب عنهم أن الأجال والموت بيد الله تعالى وحده، ولا مفر منه عندما يحين وقته.. يقول الله تعالى: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
ومن المعلوم أن الإنسان منا يتقلب في رحلة حياته الدنيوية بين إثنتين، رزق مقسوم قدره الله تعالى من الأزل لا حيلة له فيه، وأجل محتوم مقدر من الأزل لا مفر ولا مهرب منه، وكلاهما -أي الرزق والأجل- بيد الله تعالى وحده وبقدرته سبحانه، إلا أن القلق والخوف عليهما لا يفارق نفوس الكثير من البشر..
فالإنسان بطبيعته ضعيف عجول يقلق على الرزق ويخاف من الموت بإستثناء عباد الله المؤمنين المتقين أصحاب القلوب العامرة بالإيمان، والنفوس المطمئنة الراضية المرضية وهم قلة في كل زمان..
اقرأ ايضا: أوصاف النفس وأمراضها الباطنة
هذا وبالرغم من أن الله تعالى قد أخبرنا أنه سبحانه هو الذي يملك الموت والحياة، وإننا ميتون ومبعوثون يوم القيامة وراجعون إليه سبحانه، يقول تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى).. ويقول سبحانه : (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)، ومازال الكثيرون منا يخشون الموت ويخافون من أسبابه كما هو حال البشر الآن خائفون من وباء الكورونا..
وغاب عنهم أن لكل أجل كتاب، وأن الأسباب تتعدد والموت واحد كما يقول تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ۗ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ).. ويقول سبحانه: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُون).
هذا وقد جعل الله تعالى علينا حفظة من الملائكة يحفظوننا من أمر الله تعالى حتى يحين الأجل. يقول عز وجل: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ).
اقرأ ايضا: الذين يحبهم الله
ويقول تبارك في علاه مؤكدا حقيقة أنه لا مهرب ولا مفر من الموت، يقول: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ).. هذا وقد عبر سبحانه وتعالى عن الموت بالشئ الذى يذاق، إشارة إلى أنه حالة عابرة سريعة يمر بها الإنسان عند نهاية الأجل وإنتقاله إلى عالم البرزخ.. فقال سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)..
هذا ولقد بين الله تعالى لنا الحكمة من الحياة والموت، وهي الإختبار والإبتلاء والجزاء في الآخرة عند اللقاء، فقال عز وجل: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ )..
هذا وما من إنسان إلا وهو يعيش حالة الموت في منامه، فالنوم كما قيل ميتة صغرى.. يقول تعالى: ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)..
اقرأ ايضا: وصف حال المؤمن
هذا وحقيقة الموت عند العارفين بالله تعالى حياة، وخروج الإنسان من عالم التقييد إلى عالم الإطلاق، وأستندوا في ذلك إلى قول الله تعالى وصفا لحال الإنسان عند الموت: (لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ).. هذا وقد بين الله تعالى لنا أحوال العباد بعد الموت عند لقاءهم به عز وجل، فقال سبحانه: (فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)..
هذا والموت هو الفاصل بين لقاء العبد بربه عز وجل وفي الحديث.. أحب الله لقاء من أحب لقاءه.. وفي الختام يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله: “من أراد موعظة فالموت يكفيه”