وصف حال المؤمن
الأصل في الإيمان متعلق بأمر غيبي، أي الإيمان بما لم يُشاهد ولم يُرَ، وعلى رأس قضية الإيمان الاعتقاد في وجود الإله الواحد الخالق لكل شيء، وأنه ليس له ضد ولا ند ولا شبيه له ولا شريك معه، وهو الذي ليس كمثله شيء، وهو سبحانه المُنزل للشرائع والمناهج والرسالات السماوية.. والتي ختمها برسالة الإسلام وكتابه الكريم، يقول تعالى: "الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ".في هذه الآيات الكريمة يبين لنا الحق عز وجل أن كتابه الكريم لا شك فيه، فهو كتاب الله الحق وكلامه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو مصدر الهدى والهداية والرشد والرشاد والاستقامة، وبه تستقيم حركة الإنسان في الحياة، وهو مصدر الهدى لعباد الله المتقين أصحاب العقيدة الراسخة السليمة الذين اعتقدوا في وجود الله تعالى، ووحدانيته وآمنوا به سبحانه غيبا، والذين هم موقنون بالموت والبعث يوم القيامة والحساب، والذين يقيمون حلقة الوصل والاتصال بالله عز وجل من خلال كل مظاهر الوصل والاتصال به سبحانه.. إذ إن حقيقة الصلاة هي صلة العبد بربه عز وجل، ولهذا الوصل مظاهر متعددة تبدأ بحسن النية والظن وإخلاص العقيدة، والإخلاص في القول والفعل والحال، وكل ما يصدر من العبد ابتغاء وجه الله تعالى الكريم، وإقامة الصلاة يتجلى فيها إذعان العبد بالعبودية والولاء والطاعة والانقياد بكليته لله تعالى.هذا وقد وصف الله تعالى عباده المؤمنون بالكرم والجود والعطاء وذلك لأنهم ينفقون مما رزقهم سبحانه، وأنهم يؤمنون بكل الرسالات السماوية التي أنزلها الله تعالى وأخبرنا بها في كتابه، وعلى لسان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله..هذا وعن تعريف الإيمان يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وقضاء الله تعالى خيره وشره حلوه ومره".. والإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل ومحله القلب، فهو اعتقاد بالقلب وتصديق باللسان وامتثال بالجوارح..هذا وعن حال العبد المؤمن وما يجب أن يكون عليه يحدثنا الصحابي الجليل سيدنا "معاذ بن جبل" رضي الله عنه فيقول: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله.. يا معاذ إن المؤمن لدى الحق أسير.. يعلم أن عليه رقيبا على سمعه وبصره ولسانه ويده ورجله وبطنه وفرجه، حتى اللمحة ببصره، وفتات الطين بأصبعه، وكحل عينيه، وجميع سعيه... إن المؤمن لا يأمن قلبه ولا يسكن روعته ولا يأمن اضطرابه. يتوقع الموت صباحا ومساء. فالتقوى رقيبه والقرآن دليله والخوف حجته والشرف مطيته، والحذر قرينه والوجل شعاره والصلاة كهفه، والصيام جُنته والصدقة فكاكه والصدق وزيره والحياء أميره، وربه تعالى من وراء ذلك كله بالمرصاد.. يا معاذ إن المؤمن قيده القرآن عن كثير من هوى نفسه وشهواته وحال بينه وبين أن يهلك فيما يهوى بإذن الله.. يا معاذ إني أحب لك ما أحب لنفسي، وانهيت لك ما أنهى إلى جبريل عليه السلام، فلا أعرفنك توافيني يوم القيامة وأحد أسعد بما أتاك الله عز وجل منك".