وباء وإنذار من السماء
تضاربت الأقوال فيما يتعلق بمصدر فيروس كورونا الذي أرعب العالم بأسره، وأوقف حال العباد والبلاد فهناك من يقول: إنه بداية الحرب البيولوجية، وهي الحرب بسلاح الميكروبات القاتلة الفتاكة.
ومنهم من قال إن أمريكا هي التي صدرته للصين للقضاء على قوتها واقتصادها. ومنهم من قال: إن الصين هي التي اخترعته لرحيل رجال الأعمال الأوروبيين من بلادها. وهناك من قال إن وراءه مشروع بزنس وتجارة.. وتعددت القصص والروايات وغاب عنهم إن هذا الميكروب القاتل هو جندي من جنود الله تعالى..
يقول سبحانه: “وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا”.. ويقول عز وجل: “وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ” .. هذا ومعلوم أن الله تعالى هو الذي يصيب بعذابه من يشاء كما يصيب برحمته من يشاء، وقد جاء في الأثر أن سيدنا إبراهيم خليل الرحمن عليه وعلى آله الصلاة والسلام، سأل ربه عز وجل قائلا: ربي من الذي يمرض.. فقال له سبحانه: أنا.. فقال: ومن الذي يشفي.. فقال له: أنا.. فقال: سبحانك فلما الطبيب والدواء.. فقال: يا إبراهيم إني جعلت سر شفائي بينهما..
اقرأ أيضا: أوصاف النفس وأمراضها الباطنة
تعدت الأقوال كما ذكرنا فيما يتعلق بهذا الميكروب القاتل، وجهل الكل الحقيقة التي هي من ورائه وهي أنه تحذير من الله تعالى لأهل الأرض، وجرس إنذار وعقوبة مخففة لهم لكثرة فسادهم وإفسادهم في الأرض التي عاثوا فيها فسادا وملئت ظلما وجورا وعدوانا، ولبعدهم عن تعاليم مناهج السماء وإعراضهم عن طاعة الله تعالى وذكره، وانقيادهم خلف أهواء أنفسهم وشهواتهم وشياطينهم..
وصدق فيهم وفي أحوالهم قول الحق سبحانه وتعالى: “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون”.. نعم لقد ظهر الفساد وتفشى في الأرض بعدما انعدمت الأخلاق وتهاوت القيم الإنسانية النبيلة، وتكبلت الأنفس بقيود الأهواء والشهوات وحلت الرزيلة محل الفضيلة.
هذا وقد بلغ من الفساد تفشي العري والمجون والخلاعة والرذيلة، وتفشى الزنا والشذوذ الجنسي الذي يتنافى تماما مع القيم الدينية والفطرة السليمة، حيث اكتفت المرأة بالمرأة و اكتفى الرجل بالرجل، وأصبح ذلك الفجور والشذوذ مشروعا بقانون يصرح به ويحميه تحت شعار الحريات، تلك الحريات الزائفة الباطلة المغلوطة الضالة..
ولا شك أن ذلك من المجاهرة بالسوء وهو الذي حرمه الله وحذر منه، ونهى عنه وتوعد من يفعله بالعذاب والتنكيل.. هذا وبالإضافة إلى انتشار أفلام الجنس والشذوذ في وسائل الميديا بصورة قذرة ومقززة، ضف إلى ذلك تفشي المعاملات الرباوية في أنحاء العالم..
هذا ومن أسباب هذا الوباء والإبتلاء أيضا الإعراض عن ذكر الله تعالى، ولقد حذرنا الحق من ذلك ومما يترتب عليه من الحياة البائسة، وشدة المؤنة حيث قال سبحانه: “وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ”..
اقرأ أيضا: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا
يا سادة لا مخرج لنا مما نحن فيه ومن هذا الابتلاء إلا بتجديد إيماننا بالله تعالى وتقواه، أخذا بقوله عز وجل: “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون”..
هذا وإذا أردنا أن نحيا حياة طيبة فعلينا بالأعمال الصالحة عملا بقوله تعالى: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”..
وفي الختام أذكركم بأن الأمر كله بيد الله وحده، وإن الآجال والأعمار مقدرة أزلا، وقد تتعدد الأسباب والموت واحد، والله تعالى هو المتصرف في الكون، “وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ “.. جددوا إيمانكم و احفظوا الله يحفظكم..
أي احفظوا وحافظوا على أمره تعالى ونهيه وأقيموا حدوده وتعاليمه، واعملوا بها واستقيموا عليها وأكثروا من ذكره تعالى وأكثروا من الاستغفار، وقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. حفظ الله البلاد والعباد وردنا إليه سبحانه ردا جميلا.