حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا
منذ أن ولدنا ووجدنا في هذه الحياة إلى أن تنتهي رحلة حياتنا بالموت ونحن في رحلة ارتحال وإقبال على الله تعالى.. يقول سبحانه، “يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ“، وتمر بنا الحياة سريعا عام تلو عام والزمن يسرقنا ونحن على مشارف نهاية عام ميلادى واستقبال عام جديد، ولا نعلم ولا ندري إن كنا من أهل العام الجديد أم لا..
فالأعمار ونهاية الآجال في علم الله تعالى وحده، فهو سبحانه المقدر لها من قبل أن يخلقنا، يقول سبحانه: ”لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ“.. ويقول عز وجل: “فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ“.. ونحن لا ندري متى وأين وكيف نموت.. نؤمن بالموت والبعث يوم القيامة والحساب، ونعلم أننا في هذه الحياة الدنيا ضيوف وعابري سبيل، ونؤمن بلقاء الله تعالى في الآخرة، وأننا محاسبون وسوف توزن أعمالنا.
فالدنيا عمل بلا حساب، والآخرة حساب وجزاء بغير عمل، ومن هنا يجب علينا أن نقف مع أنفسنا ونعمل لها كشف حساب نراجع أحوالها ونحاسبها قبل فوات الأوان بانتهاء الآجال كما أمرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله، حيث قال: “حاسبوا أنفسكم من قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم من قبل أن توزن عليكم فالدنيا عمل بلا حساب والآخرة حساب بغير عمل”..
اقرأ أيضا : وصف حال المؤمن
هذا والإنسان المؤمن العاقل لا بد له من عمل وقفة مع نفسه، وأن يكن صادقا معها وسبحان الله فقد جعل داخل كل إنسان منا ترمومتر يقيس به حاله، وما من إنسان مؤمن إلا وهو يعلم ويدري حاله، إن كان طيبا وعلى خير ومن أهل الطاعة والاستقامة وصاحب أعمال طيبة صالحة أو عكس ذلك، ومن هنا وجب عليه أن يراجع نفسه ويصلح حاله مع الله تعالى، ويتصالح معه سبحانه من قبل أن يأتيه الموت وينتهي الأجل ويندم ولا ينفعه وقتها الندم..
هذا وقد كان من وصايا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله أن قال: “اجعلوا أعمالكم كلها خيرا فالموت يأتي بغتة -أي على فجأة وغفلة- ويبعث المرء على مات عليه”.. أي من حال وحالة أي على الإيمان أو الكفر وعلى طاعة أو معصية..
واقرأ أيضا: لا يعرف قدري إلا ربي
هذا وعندما ينتهي أجل أحدنا يقال: إكرام الميت دفنه والحي أبقى من الميت، ونشير للمتوفى بكلمة الأمانة ولا يذكر اسمه، ويتخلى عنه كل شيء من دنياه، المال والجاه والمنصب والسلطان والأهل والولد والأحباب وكل شيء ويصبح رهينة لما قدمت يداه، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وسعيه سوف يرى..
ويسارع أقرب الأقربين له من الأهل والأحباب بتجهيزه للدفن، فيغسل ويكفن ويصلى عليه ثم يحمل على الأعناق ليزف إلى قبره، وبعدما يوضع في قبره ويغلق عليه الباب يناديه ربه تعالى ومولاه جل في علاه: “عبدي حملوك وجاءوا بك وتركوك ولإن بقوا معك ما نفعوك ولم يبقى لك إلا أنا فهل جئتني بالصدق.. أي في محبتي وطاعتي وعبادتي.. حتى آتيك بالوفا”..
هذا والموت أبلغ موعظة فمن أراد موعظة فالموت يكفيه.. فقدموا لأنفسكم الخير وبادروا بالتوبة واستغفروا ربكم وعودوا إليه حتى تسعدوا عن لقائه عز وجل وتكونوا من أهل السعادة والتنعيم في جنته سبحانه وتعالى..
عزيزي القارئ كانت هذه تذكرة لي ولك والذكرى تنفع المؤمنين.. جعلني الله تعالى وإياكم من أهل التذكر وممن يستمعون إلى القول فيتبعون أحسنه ورزقني وإياكم حسن الخاتمة والمآل.. اللهم اغفر لنا ما اقترفناه من السوء والمعاصي فيما مضى واحفظنا فيما بقى لنا من العمر وارزقنا حسن الخاتمة والمآل.
