هل صوت المرأة عورة؟ تعرف على رأي الشرع
يقول بعض الناس إن صوت المرأة عورة، فهل معنى ذلك أنها لا تتكلم مع الرجال مطلقا، سواء للتعليم وقضاء المصالح او حتى فى العمل؟ وإذا كان عورة فكيف كان كثيرا من الصحابيات يتكلمن مع الصحابة ويردون عليهن؟
يجيب عن هذا السؤال فضيلة الشيخ عطية صقر الرئيس الأسبق للجنة الإفتاء بالازهر الشريف فى كتابه "أحسن الكلام فى الفتاوى والأحكام" بالآتى: صوت المرأة فيه قول مختلف بين العلماء، فبعضها يفيد أنه عورة على الإطلاق وبعضها يفهم منه أنه ليس بعورة على الإطلاق ويمكن التوفيق بيهما على الوجه التالى:
اقرأ ايضا: حكم أذان المرأة وإقامتها للصلاة
صوت المرأة فى حد ذاته ليس بعورة، ولو أنه كان عورة فى كل حال لكان ذلك تكليفا فيه عسر والدين يسر، فهى فى حاجة إلى الحديث والتفاهم فى شئون شتى مع غيرها من الرجال والنساء، وإنما العورة في لينه وإغرائه، كما قال تعالى لنساء النبي صلى الله عليه وسلم: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) {الاحزاب : 32}.
فلم يمنعهن الكلام مطلقا -بل أباحه إذا كان معروفا لا يحمل سوءا، ومنعهن الخضوع به حتى لا يطمع الذى فى قلبه مرض وسوء. لعدم قوة إيمانه وخوفه من الله. ومما يدل على ذلك أن كثيرا من الصحابيات سألن النبى صلى الله عليه وسلم عن أحكام الدين بحضرة الرجال الأجانب، كأسماء بنت يزيد بن السكن وافدة النساء..
اقرأ ايضا: حكم الشرع فى الزوجة التى لا تصلى
وكالمبايعات له ألا يشركن بالله شيئا ولايسرقن ولا يزنين، كما جاء فى سورة الممتحنة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} اية 12.
وكان الصحابة يكلمون النساء وهن يكلمنهم، وحادثة رد المرأة على عمر بن الخطاب فى المسجد مع الرجال بخصوص عدم المغالاة فى المهور معروفة، وعمر رضى الله عنه على شدة غيرته لم ينكر عليها ذلك وسط الرجال، بل رجع الى الحق وأنصفها فى اعترافها.
اقرأ ايضا:حكم الشرع في تقويم الأسنان
وثبت فى صحيح مسلم أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضى الله عنهما زارا أم أيمن بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلق النووى على ذلك بجواز زيارة الرجل للمرأة وسماع كلامها، ومازال نساء السلف يروين الأحاديث ويعلمن الناس ويفتين فى الدين.
يقول الإمام الغزالى فى كتابه الاحياء (ج 2 -ص 246) تعليقا على سماع النبى صلى الله عليه وسلم للغناء من الجاريتين عند السيدة عائشة: فيدل هذا على ان صوت النساء غير محرم تحريم صوت المزامير، بل يحرم عند خوف الفتنة، وقال فى (ص 248) من الجزء الثانى من كتاب الاحياء: أن صوت المرأة فى غير الغناء ليس بعورة، فلم تزل النساء فى زمن الصحابة يكلمن الرجال فى السلام والاستفتاء والسؤال والمشورة وغير ذلك.
اقرأ ايضا: حكم الشرع في ضرب الزوجة
ويقول القرطبى فى كتابه السماع: {ولا يظن من لا فطنة عنده أننا إذا قلنا صوت المرأة عورة أنا نريد بذلك كلامها، لان ذلك ليس بصحيح، فإنا نجيز الكلام مع النساء الأجانب ومحاورتهن عند الحاجة الى ذلك. ولا نجيز لهن رفع أصواتهن ولا مطيطها ولا تليينها وتقطيعها، لما فى ذلك من استمالة الرجال إليهن وتحريك الشهوات منهم} اهـ.
ومع ذلك فإن من المستحسن أن يكون الكلام بين الجنسين فى اضيق الحدود وفى أمور لا تجر الى الفساد، فإن من طبيعة صوت المرأة الرقة، وفيه قدر من الفتنة، ولو إنضم إلى هذه الرقة الطبيعية رقة أخرى زادتها فتنة، وذلك ما يحتاط منه الشرع ولهذا كره لها قراءة القرآن بصوت مرتفع، كما لم يشرع لها الآذان إلا للنساء فقط دون رفع صوتها، وإذا نابها فى الصلاة شيء تريد أن تنبه عليه لا تسبح - أى لا كما يقول الرجال سبحان الله- بل تصفق كما ورد ذلك فى صحيحى البخارى ومسلم.