يتعاملون بصدق مع مهام عملهم
لم يكن غريبا على طبيب مصري بوزن وقيمة وإنسانية الدكتور نصيف الحفناوى؛ أن يحيل واقعة إصطناع تقرير طبي بشأن مشتبه فى إصابته بفيروس كورونا للتحقيق؛ بعد ثبوت عدم توقيع أطباء الكشف عليه عقب حضوره من الخارج وشعوره بأعراض الإصابة بالفيروس.
وسبق للدكتور الحفناوى؛ وهو من يباشر عملا إداريا وفنيا من خلال منصبه؛ وكيلا لوزارة الصحة بالمنوفية؛ أن تدخل جراحيا لإنقاذ حياة مريض بسن صغيرة فى توقيت حرج؛ ضاربا أروع الأمثلة للطبيب الإنسان، وهى قيم جعلت كثيرين أكثر حضورا بحسن السيرة بين الناس، وكانت سر الرعب الشديد الذى أصاب الناس خوفا على حياته حينما تعرض لحادث سير بسيارته وكتب الله له النجاة بدعوات أحبائه.
"إن لله فى الأرض أقواما اختصهم بمنافع العباد"، حديث شريف أكرره كلما قابلت المهندس مجدى يوسف المشرف على ثلاثة أجهزة جديدة بغرب الإسكندرية تتبع هيئة المجتمعات العمرانية؛ والذى عرفته لم يتوان عن مهام عمله رئيسا سابقا لجهاز مدينة أكتوبر الجديدة، وإتخذ قرارات جريئة بشأن استبعاد شركات حكومية وخاصة عطلت حصول السكان على حقهم فى المرافق والطرق، بخلاف سعيه الدءوب لحل مشكلات مبتعدين عن زحام العاصمة استجابة لخطة وطنية لخلخلة مناطق الكثافة السكانية.
اقرأ ايضا: «فكة» بالمليارات توفرها خانة بحوالات البريد
لم أعتد كتابة مقالات من هذا النوع الذي يزكي مسؤولا حكوميا أو غيره؛ وأنا من عملت منذ ٢١ سنة بمدارس صحفية لا تعرف إصداراتها كلمات الثناء على شخص؛ خلال مراحل متعاقبة لم نشهد فيها منظومة متزنة لإدارة قطاع ناجح بسهولة، لكنها اللحظة التى رغبت فيها بالرد على صديق زعم لى بالأمس أننا نحيا مرحلة ما بعد فقدان الذاكرة والأمل فى كل شيء، خاصة التعامل والتواصل مع جهات حكومية.
كم من رجال الأمن صدروا بمواقفهم طاقة أمل وحياة لنا حينما راعوا مهام وظيفتهم وأفنوا عمرهم بها، هذا الضابط أحمد النحاس الذي زلزل الأرض من تحت أقدام مقدمى الرشوة الانتخابية خلال مارثون برلمان ٢٠١٥ بإحدى دوائر شمال العاصمة، والمهربين الكبار خلال عمله بالمنافذ الأمنية..
اقرأ ايضا: موت أرخص من مرض
وزميله الرائد أحمد أبو الدهب الذي استشهد فى سبتمبر ٢٠١٣ على أيدى مسلحين أنقذ حياة طالبة جامعية منهم، والضابط أحمد المنسي الذي استشهد برفقة أفراد كتيبته فى رفح قبل ثلاث سنوات دفاعا عن أمننا، واللواء إبراهيم عبد المعبود مدير المباحث الجنائية بالسويس الذي استشهد عام ٢٠١٠ فى واقعة ضبط أخطر تجار المخدرات، وقائمة طويلة تضم الآلاف غيرهم.
أي شيء؛ سوى الضمير؛ يجبر معلمة على الاحتفاظ بقيم رسالة وظيفتها منذ ٢٥ سنة؛ مثل شقيقتي الكبرى وزميلاتها بالمدرسة الثانوية للبنات بسراي القبة، وقد انتظمن فى فصول الدراسة يعلمن من قررن الحضور والجلوس أمامهن من طالبات أعلى من مستوى الاستذكار الغبي عبر مذكرات مراكز الدروس الخصوصية المشبوهة..
اقرأ ايضا: ماذا تريدون من 15 مليون "جنة"؟
والتى إلتهمت الميزانيات المدمرة للأسر المصرية الباحثة عن صعود إجتماعي عبر التعليم، ومع أزمة "كورونا" ودونها كن دائما واجهة مشرفة للمعلم أمام من قرر الحضور والانتظام بعملية تعليمية تحتاج منظومتها لثورة إصلاح حقيقية تبدأ بإصلاح شأن المعلم ذاته.
وزراء سابقون ذكرهم التاريخ والشعب بالخير والجد فى العمل، كانت الوظيفة العامة متعة ممنوحة من الله لميزة وضعها فيهم فصانوها، نذكر وزيرا للداخلية بسمعة اللواء أحمد رشدى، ووزيرا للإسكان والتعمير بقيمة المهندس حسب الله الكفراوي، وغيرهما من المسؤولين على كافة الدرجات؛ شعر المواطنون ببقاء ضميرهم حيا فعاشوا أثرياء بحب العمل أو رحلوا محتفظين بحب واحترام الناس.
اقرأ ايضا: تحرير عقود الزواج هل يصبح حلا؟
فى مصر؛ نشهد جدلا حكوميا وشعبيا مستمرا حول جدوى الاحتفاظ بنحو ستة ملايين موظف بدواوين الدولة، دون أن ننتبه لقوانين تنظيم عملهم وحقوقهم فى حدود مهامهم؛ ودون أن نضع معايير اختيار جديدة لهم أو أسبابا منطقية لاستبعادهم تبنى على الكفاءة والضمير واحترام القانون؛ لا على الولاء للقيادة الأعلى مرتبة.
وفى بلدنا؛ امتازت تصريحات حكومية وانطباعات شعبية واسعة عن الموظف الحكومي بالسلبية، لكن منهجا إصلاحيا حقيقيا لم يصدر لنا رؤية مختلفة متطورة لوضع آليات جديدة لضبط مفاهيم أعمق تعزز مكانة الوظيفة العامة وتدعم نزاهة شاغليها.
مصر بلد غني بالموارد؛ وأولها المورد البشري، وإدارته داخل دواوينه ليس بالصعوبة البالغة التى ننكر معها على أنفسنا الحق فى إيجاد إدارة ذكية لثرواتنا، وأولها عقل وضمير المصري؛ ولو تقلبت الظروف وتبدلت الأقدار.