تحرير عقود الزواج هل يصبح حلا؟
يمكننا أن نعيد الشيء لأصله؛ ونريح أنفسنا من وصاية مؤسسات دينية؛ وتكاسل أعضاء مؤسسة تشريعية؛ وتغول مؤسسات نسوية وكيانات استشارية، ونطرح كأصحاب شأن لن نقف موقف المفعول به؛ البديل الملائم لما يرونه بشأن مستقبل مشروع الزواج والأسرة المتصدع.
هل لدولة بحجم وقيمة وتاريخ مصر أن تتجاوز محنتها وتواجه كارثة الطلاق والشقاق بتحرير صياغة عقود الزواج وجعلها عقودا مفتوحة غير مقيدة تكتب كافة بنودها ومرجعيات الخلاف عليها أطرافها وحدهم؟
لماذا لا تكتفى الدولة في عقود الزواج بالتوثيق؛ بعد تدخلها فيها فقط لحماية مستقبل الأطفال المحتملين وضمان استقرار مجتمعها وعدم إنهاك مؤسستيها القضائية والأمنية حال إنهاء طرفى الزواج وجودهما معا؟
كيف تتيح لمؤسسة أن تفرض على مواطنيها ولاية بشر اجتهدوا لزمانهم وماتوا ولم يعش أحدهم ربع متغيرات زماننا وتقلباته؟ ثم كيف تجبر مواطنا له ديانة تأخذ الدولة بشريعتها أن يلتزم بآراء أربعة بعينهم من هؤلاء الراحلين؛ وقد تقدم في قانون مفروض عليه ما يقوله أحدهم عما جاء بالنص القاطع؟
حينما طالعت ما وصفته مؤسسة دينية بمشروع قانون متكامل للأحوال الشخصية والأسرة، صاغته ردا على طلب مجلس النواب "رأيها فقط" في فقرات بمشروع قانون يتراخى في مناقشته، ولها دور محمود في هذا الشأن، لم ألحظ فيه محاولات الأحياء فرض وصايتهم على المجتمع؛ بقدر ما تأكدت من محاولاتهم فرض آراء الموتى من المجتهدين لزمانهم، ولا أجدها تتناسب وزماني ومشكلاتى وتفكيري وأزمات جيلى؛ ويتوازى بعضها ونص قاطع.
أذكر وقتما ثارت في دولة عربية شقيقة الحديث عن توجهات نظامها نحو قانون لمنع التمييز بين الذكر والأنثى، يتيح لصاحب الإرث منحهما الأنصبة بالتساوي في حياته؛ تدخل صوت مؤسسة دينية لدينا في شأنها معليا قوله تعالى في أمر الإرث، فاعتبرته مؤسسات الدولة الشقيقة تدخلا في شأنها وردت عليه بقوة.
نفس الصوت حينما سئل هنا في بلاده عن حق الآباء في تربية أبنائهم استنادا لنص قرآني يقر حق الصغير في الرعاية المشتركة والمعايشة بين الأبوين "وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا"؛ كان الرد أن مذهب الإمام فلان يرجح رعاية النساء، وأنه لا إكراه لأم على منح ابن بطنها لـ"مجهول"..!!.
في أمر عقود الزواج الحرة؛ تتدخل الدولة لضمان عدم اتفاق أطرافها على ما لا يخالف مصالحها ويضمن استقرار مشروع الأسرة فيها، ويصون حقوق الطفل المحتمل؛ وهو مستقبلها، ويدعم مسار التزاماتها الدولية، وتجدها طرفا مدافعا عنه حال فشل الأبوين في مشروع علاقتهما، فيحل القاضى مدافعا عن حقوق الصغير لديهما نيابة عنها.
في عقود الزواج الحرة؛ يحق لطرفيها قراءة واقعهما وشأنهما الخاص؛ ويقر كل منهما بما في وسعه للإسهام في إنجاح هذا المشروع، ويتحمل مسبقا وبإقرار مكتوب منه مسؤولياته للحفاظ عليه أو تحمل تداعيات انتهاء العلاقة الثنائية وعدم تصدع حياة أطرافها كافة بعدها، واستمرار الأبوين شريكين في رعاية نتاجها "الأطفال".
في عقد الزواج الحر، تلزم الدولة طرفى المشروع بالثابت القاطع من أمر مرجعيتها الدينية؛ القرآن والسنة للمسلمين مثلا، والتزاماتها الدولة بتفسير جهة صدورها وهيئاتها القضائية المستقلة، وتفرد مجالا لقراءة مشتركة لمستقبل يصيغه أصحاب المشروع ذاته؛ وتتدخل مسبقا في هذا العقد لحماية الصغير وحقوقه؛ وليفصل القاضي المدني في بنود واشتراطات كل طرف فيه على الآخر؛ من مهر وإنفاق وحقوق متبادلة وغيرها.
هناك دول تبدو مجتمعاتها مستقرة بلا ضجيج؛ رغم وجود ظاهرة الطلاق فيها، لكنك لن تجدها متصدعة؛ لأن تشريعاتها الخاصة بالأسرة سبقت بتوقعاتها كافة الأزمات المحتملة؛ فنجحت في التعامل معها وتجاوزها ومنع تفاقمها.
ننتظر جميعا؛ بعد انتهاء أثر فرقعة مشروع "تصورات" المؤسسة الدينية، أن ننشغل ونثور أمام مشروع جديد لمجلس نسوي دوره استشاري في القانون؛ ثم منظمات نسوية وكيانات جاهزة بمقترحات مماثلة مطابقة له، جميعها تبحث عن مزيد من "المكتسبات" لشريحة من النساء؛ يؤكد الواقع المأزوم أنها واحدة من مسببات ارتفاع معدلات الطلاق، وعلينا وعلى البرلمان تجاوزها سريعا وعدم منحها أكثر مما تستحق وفى حدود دور تلك الكيانات وقيمة ما تقدمه؛ على أن يؤخذ الموضوعي المنطقي منها بكل جدية.
تحرير عقود الزواج مجرد تصور يسحب البساط من تحت أقدام المزايدين على حقوق المصريين في تقرير مصيرهم الاجتماعي والأسري، ولا يمثل محاولة للتعدى على دور مؤسسات الدولة وأولها البرلمان، في صياغة قوانين تدعم الاستقرار العائلي والمجتمعي، وهو نواة وضمانة استقرار الوطن، ونحن شركاء به كافة، دون قبول بتلاعب "كل من هب ودب" بمستقبل حياة أبنائه.