«فكة» بالمليارات توفرها خانة بحوالات البريد
تخيل أن خانة واحدة، تُستحدث وتُملأ ولو اختياريًا، بحوالات الهيئة القومية للبريد، يمكن أن تضخ لميزانية الدولة عشرات الملايين شهريًا، وتوفر المليارات سنويًا على مواطنين يمكنهم ضخها في حركة الاقتصاد المصري المتراجع لأسباب مختلفة؟
إنها "الفكة" عزيزي المصري التي وردت على لسان الرئيس يومًا، لن تجد أحدًا من داخل دواوين الدولة لم يحرك مع تصريحه العفوي ساكنًا ليفكر خارج الصندوق، في وطن باتت الأفكار حبيسة خزائن بنوك البيروقراطية.
الفكرة طرحتها في صورة مقترح بالأمس على مكتب نائب رئيس هيئة البريد للمناطق البريدية الأستاذ أحمد عبد الحليم، ومفادها أن بنوك وجهات تحويل الأموال تسأل دائمًا عن ماهية أموال تدخل لأفراد أو كيانات عبر جهاز مصرفي إلكترونيًا، والجهات الحكومية باتت تتعامل مع موظفيها والمتعاونين معها عبر كارت صرف مميكن مدون عليه اسم "وزارة المالية" من هيئة البريد، للحصول على مستحقاتهم.
أي أن الميكنة تسهم بشكل أو بآخر في تخفيف التعامل المباشر بين مقدم الخدمة ومتلقيها للحد من الفساد.
داخل أروقة محاكم الأسرة تحديدًا، والتي تشهد ومكاتب المأذونين إضافة نحو ربع مليون حالة طلاق سنويًا حسب تقديرات حكومية، إضافة لملايين حالات الطلاق التالية على إقرار قانون تعديل إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية عام 2000، تجد المطلقين يذهبون، أو محاميهم، لإيداع نفقات مطلقات وأطفال، بعد جولتي إعلان وعرض، بخزينة المحكمة.
الخطوة تمر قانونًا عبر محضرين، وإن كانت وسائل الإعلام مختلفة ويمكن اختصارها، إلا أن كثيرين يباشرون ابتزازًا متنوعًا لطرفي علاقة النفقة، فيحصلون على أرقام فلكية منهما بالقياس إلى حجم النفقات المودعة، وقت الإعلان والإيداع والتحصيل.
تخيل أن أبسط إعلانات عرض النفقة وإيداعها يكلف طرف المودع قرابة 10 جنيهات رسميًا، و100 جنيه في صورة إكراميات لمحضرين، ناهيك عن أتعاب محام أو نفقات انتقال متكرر ربما لثلاث مرات من وإلى المحكمة لمتابعة استلام إفادة وصول النفقة، أو إيداعها الخزينة.
تأملت نموذج الحوالة البريدية المصرية خاليًا من خانة "سبب الإيداع"، وطرحت التساؤل على نفسي والحكومة: ماذا لو يسرت هيئة البريد، ووزارة العدل، على ملايين الأسر وخففت عن كاهل المنظومة القضائية، فجعلت تسبيب تحويل الأموال حاضرًا، ولو اختياريًا، لضمان قانونية تحويلات أموال نفقات الأسر، وإثباتها لمودعيها كى لا تدخل في بنود تعريف كمعاملات مالية غير محددة تنكر مطلقات معها وجه تخصيصها؟
هنا يمكن لعارضي ومسددي النفقة مثلًا، إيداعها بطريقة لائقة عبر حوالات بريدية رسمية لمتلقيها، مقابل رسوم تقل أو تقترب من مبلغ إيداعها "الرسمي" بخزائن المحاكم، وقتها توفر الدولة الملايين شهريًا والمليارات سنويًا من المدفوعات غير المبررة والإكراميات والرشاوى، فتضاف إلى رصيد أصحاب الحقوق وتضخ مجددًا بطريقة طبيعية في اقتصاد يبحث عن مخرج من أزماته بعيدًا عن حرب صريحة مع الفساد.
وسيكون على مودعي النفقات إعلان متلقيها لمرة واحدة عبر إنذار قضائي أو خطاب مسجل بعلم الوصول، بطريقة العرض أو الإيداع، والتي لن يتدخل فيها طرف ثالث، محضر فاسد أو محام متحايل، وتسرى العملية بانتظام وطريقة تليق بنساء تطالهن "المرمطة" داخل أروقة المحاكم شهريًا للوصول إلى نفقاتهن وأطفالهن.
وما لم تصل التحويلات للمطلقات لأسباب أخرى، تضعها هيئة البريد تلقائيًا في حسابات لهن بأرقامهن القومية، وتظل مرهونة بسحب المودعين لها حال اعتراض المطلقات على قيمتها قضائيًا فقط، أو استحداث طريقة يمكن معها استكمال إيداع مبالغ إضافية، مسببًا ومقترنًا بتوقيتها إذا ما قضت محاكم لمطلقات بقيمة أكبر لنفقاتهن وأسرهن كمثال، كما تصدر هيئة البريد كروت مميكنة للنساء لتيسير صرف تلك الأموال.
الفكرة ستخدم بالتأكيد هدف توفير فرص عمل جديدة للشباب، ومعها ستعمل مكاتب البريد لساعات مسائية، وربما تطلب بنوك التداخل فيها، وربما تطورت لتشهد الإيداع الرسمي المباشر "المسبب" في حسابات ادخارية للأسرة، تنشط حركة مصارفها وتصون أموال بسطاء "يلهفها" خفافيش الإنذارات القضائية.
أليست الفكرة "الفكة" هذه جديرة باهتمام وتطبيق فوري من قبل هيئة البريد، لتكون هدية للنساء في عامهن الذي حدده الرئيس؟ وربما تكون نموذجًا لتعاون وتكامل مؤسسات الدولة فلا تظهر كجزر منعزلة. أم أن المنظومة تستوعب إشاراته وتوجيهاته بمزيد من التحايل عليها وفقط؟