موت أرخص من مرض
ببرود أعصاب تحسد عليه، تعلن حكومة شريف إسماعيل، ممثلة في وزارة الصحة، زيادة أسعار 3000 صنف دواء، بنسب تتراوح بين 30 و50 %، وتهدد صيادلة مصر بالملاحقات القانونية حال إضرابهم، المؤجل بقرار جمعيتهم العمومية أمس، بعدما تدخلت رئاسة الجمهورية، وتلقي إسماعيل توجيهات بـ"عدم المغالاة" في رفع أسعار الأدوية.
سيناريو متكرر ومشاهد متطابقة وألغام تزرع بطريقة واحدة لتحدث انفجارات متشابهة، فقط الحقل متغير، أو قل السلعة ومجالها، أما الزبون الضحية، المواطن، فواحد لا يتبدل، تقع على رأسه أعباء لا نهاية لها تخدم فكرة استعباده أو دعوة اندماجه في منظومة فساد يقدر أربابها وحدهم على ركوب موجات الغلاء المتوالية.
عمومية الصيادلة احتجت على عدم تطبيق قرار رفع هامش ربح الصيدلي إلى 25% على الأدوية محلية الصنع المؤيد بتوصية برلمانية، وعدم سحب الأدوية المنتهية الصلاحية، وعدم المساس بالأمراض المزمنة ضمن زيادات الدواء، وطالبت بتشكيل لجنة لإعادة تسعير الأدوية خلال 3 شهور على الأقل، قبل استجابة الحكومة لشركات الدواء وضغوطاتها برفع أسعار الأدوية بعد انخفاض قيمة العملة المحلية ونقص الدولار.
الصيادلة يرون قرارات الحكومة مدمرة لصناعة الدواء وتنال من "حق المريض" فيه، بينما يرى متحدث الصحة تنظيم إضراب جزئي قرارًا غير حكيم وضد "مصلحة المريض"، متهمًا الصيادلة بالضغط لانتزاع قرار بتطبيق الزيادة على الأدوية نفسها المنتجة بأسعار قديمة.
٦٠٥ أصناف من أدوية الأمراض المزمنة تشملها الزيادات المدرجة على أجندة حكومة لم تترك سلعة دون رفعها أو خدمة دون إعادة تقدير رسومها، ولم تترك مواطنًا دون النيل من أسباب بقائه محتفظًا بالحد الأدنى من صحته النفسية والبدنية ليكمل حياته بحالة شبه طبيعية في مجتمع يبتعد عن شبه الدولة.
كم مرة سمعت وشاهدت وتابعت نفس الطريقة في التعامل مع أزمات أسعار الوقود، السكر، الأرز، الزيت، الحديد والأسمنت، وتأكدت في النهاية أن سيرة "المواطن" ومصلحته وحقوقه لا تزيد عن جملة مدونة في ورقة مهملة بجيب مسئول وأصحاب أعمال، يخرجها كل طرف وقت الأزمة من جيبه ليمرر بها اتفاقًا منتهيًا معلومة نهايته وطريقة تطبقه؟
حدوتة أسعار السلع التي ترتفع حتى الآن دون توقف، تؤكد تفاصيلها لك مقدمًا أن "تحريك" أسعار أدوية الآن ما هي إلا واحدة من موجات متلاحقة مقبلة لن تسيطر عليها حكومة أو يوقفها أرباب مصالح، أم أن صراخ المرضى سيحولهم إلى مروجي شائعات متهمين بنشر مناخ تشاؤمي، طالما ظلت دخولهم مجمدة دون زيادات تواجه شراسة الأسعار؟
أو أن سيرة تدمير صناعة الدواء وشركات ومصانع إنتاجه المملوكة للشعب عبر سنوات وعقود مضت، لن تعود على ألسنة الباحثين عن أسباب توقف خطوط إنتاج أدوية بعينها ونقص مادة فعالة بأخرى، لحساب ظهور منتجات جديدة مماثلة لشركات أجنبية أو دعم مكاسب مستوردين، يمكن أن تذهب بأرباب الشكاوى ذاتها إلى مستشفى الأمراض العصبية، بحثًا عن علاج مجاني.
كارثة زيادات أسعار الأدوية تقطع الخيط الأخير في علاقة المواطن بالحكومة، والدولة، وتجعله أكثر استيعابًا لحقيقة تتأكد تباعًا مفادها أن نظام الحكم المؤيد دستوريًا يُضرَب في مقتل لحساب حكومة أو مجموعة حكم وأربابها، وتحوله إلى كائن يدرك صعوبة الحياة في وطن وزمن أصبح الموت فيهما أقل كلفة من المرض.