رفقا بهذا الشعب
لاتوجد دولة في العالم تتعامل مع مواطنيها باعتبارهم أحد مصادر الدخل القومي لها مثل مصر، طول عمري أعرف أن السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين بالخارج والبترول والاستثمارات الأجنبية هي أهم مصادر الدخل القومى لمصر، لكن "أم الدنيا" تغيرت وأضافت حكومة مصر الحديثة لهذه المصادر الخمسة مصدرا سادسا وهو "المواطن" باعتباره كنزا أو دجاجة تبيض ذهبا.
في أبجديات السياسة تأتي الحكومات والأنظمة لتحقيق الحياة الآدمية الكريمة والرفاهية للمواطنين، لكن حكوماتنا جاءت بسياسات لتعذيب المواطنين وزيادة جرعات معاناتهم من الغلاء، وأولها قرار تعويم الجنيه الذي سأظل مقتنعا بأنه واحد من أسوأ القرارات الاقتصادية في تاريخ مصر، بما تبعه من تضاعف فواتير الكهرباء والمياه والغاز والبنزين والخدمات خمس مرات لم يتحملها سوى المواطن المصرى..
اقرأ ايضا: نحن صحفيون.. ولسنا بوسطجية
ببساطة لأنه إتخذ في دولة يعد متوسط أو هيكل الرواتب فيها هزيلا وليس فى دولة متوسط رواتبها بعشرات الآلاف، ولذلك تألم المصريون من تداعياته وأصبح80% فى مرمى الغلاء والمعاناة، لأن الحد الأدني للرواتب لدينا لايزيد عن ٢٠٠٠ جنيه وصرنا نعيش بأسعار دول أوروبا ولا نتقاضى ربع رواتب مواطنيها.
أقول هذا الكلام على خلفية خبر تم نشره مؤخرا عن أن الحكومة تقدمت للبرلمان بمشروع قانون لتعديل بعض أحكام قانون البناء، ويقضى فى إحدى مواده بفرض مقابل تحسين على الأراضى الزراعية التي دخلت الحيز العمرانى، يعادل نصف الفرق ما بين قيمة الأرض قبل اعتماد المخططات وبعدها، وهو ما يعنى أن الحكومة ترفع مع المواطنين شعار "فيها لخفيها" وتقاسمهم حقوقهم لا بسيف القانون ولكن بسيف الحياء.
اقرأ ايضا: وزير التموين.. من الإحسان إلى "الأنعرة"
بصريح العبارة.. لو أن الفلاح البسيط الذى يمتلك قيراط أرض زراعية ثمنه مثلا 100 قرش ودخل الكردون وأصبح ثمنه مثلا 200 قرش، فيصبح الفارق بين السعرين 100 قرش، وبالتالى هذا الفلاح البسيط سيدفع للدولة مجبرا وبموجب هذا القانون الغريب نصف الفارق بين السعرين أى 50 قرشا، وحجة الحكومة فى هذه الإتاوة أن قيمة الأرض ستصبح أعلى بأضعاف لأنها أصبحت قابلة للبناء عليها بشكل رسمي، وبالتالي تقوم الدولة بإدخال المرافق والخدمات اللازمة لها.
لم تقل لنا الحكومة الموقرة وهى تتقدم بهذه المادة العجيبة للبرلمان من أين سيأتى الفلاح أو المزارع البسيط بنصف قيمة الفرق فى سعر قيراط الأرض إذا قرر أن يبنى شقة لإبنه عليه بعد دخوله الحيز العمرانى، هل سيبنى أم سيدفع للدولة.
أتفهم أن تضع الدولة يدها على أملاكها المغتصبة فى حملة نرفع لها القبعة، ثم تبيعها لكى تنمى مواردها، فهى تحكم فى مالها وما ظلمت، لكن أن تضع يدها على أملاك المواطنين لكى تقاسمهم رزقهم بحجة أنهم سيكسبون وترفع شعار "يابخت من نفع واستنفع"، فهذا منطق غريب ومرفوض وهو الظلم بعينه.
اقرأ ايضا: "زملكاويتي" التي أقلعت عنها
مشكلة من يضعون قوانين جباية الأموال من المواطنين الغلابة أن لهم حسابات مختلفة عن باقى حسابات وسلوكيات الشعب المصرى، فمثلا من وضع قانون التصالح فى مخالفات البناء توهم –كما قيل وقتها- أنه سيجلب للدولة موارد تصل الى 30 مليار جنيه، ولكن بعد مرور 8 أشهر على تطبيقه -كما قال وزير التنمية المحلية منذ أيام- لم يتقدم للتصالح سوى 300 ألف مواطن على مستوى الجمهورية..
بما يعنى أن الحصيلة لم تتجاوز 30 مليونا على أكثر تقدير وليس 30 مليارا، ببساطة لأنك تتصالح مع شخص أدخلت له الماء والكهرباء والموافق كاملة لشقته المخالفة، فما الذى سيلزمه بدفع مليم واحد للدولة، الشيىء نفسه سيحدث مع ماتسميه الحكومة رسم تحسين.
وإذا كانت الدولة تريد زيادة مواردها، فلماذا لاتلجأ الى الإنتاج والتصنيع لتصبح مصر دولة صناعية كما فعل عبد الناصر، وأين هى موارد صادراتنا التى صدر قرار التعويم لزيادتها؟
اقرأ ايضا: غموض الضريبة العقارية
على الدولة أن تخرج الغلابة من حساباتها كمصدر للدخل القومى لأن "فيهم مايكفيهم"، وأقول لرئيس الحكومة "رفقا بالمصريين".
>> بمناسبة قوانين الجباية من الشعب ومنها ضريبة القيمة المضافة البغيضة، جلست منذ ايام فى كافيتريا مع صديقين وطلبنا شاى وقهوة ومياه غازية وجاءت الفاتورة مختبئة فى داخل ذلك المجلد الأسود ( 120 جنيها)، نظرت فيها فوجدتها متخمة بضرائب ورسوم لم نسمع عنها من قبل، ويتحملها للأسف المواطن وليس الباشوات المليارديرات الأثرياء من أصحاب المطاعم الكبرى والكافيهات، نفس الكافيتريا كنا ندفع عن نفس الطلبات من قبل 20 جنيها.
هذه هى الأسعار بكل أسف فى "مصر ما بعد التغريق.. عفوا "مابعد التعويم".