نحن صحفيون.. ولسنا بوسطجية
قمة المكارثية الفكرية والأخلاقية والأدبية والمهنية والإعلامية والإنسانية أن تطلب "وزارة ما" من "جريدة ما" تغيير صحفى يغطى أخبارها واستبداله بآخر، لأن أداءه لا يتوافق مع هوى مسئوليها أو لأن دمه ثقيل عليهم، أو لأنه يكتب ما يمليه عليه ضميره المهنى وليس ما يتم إملاؤه عليه، أو لأنه لا يجيد النفاق أو التطبيل أو الرقص، أو لأنه يحترم حق القارئ في المعرفة، أو لأنه محترم وشريف بزيادة، أو لأنه يؤمن بالشفافية ولايدخل في شلة أو تربيطات أو غيرها من الأسباب.
وما حدث من مسئول بوزارة التموين بطلب استبدال الزميلة الفاضلة "دينا عاشور" محررة قطاع التموين في "فيتو" بصحفى آخر ليس جديدا في تاريخ مهنتنا، فقد رأينا جهات رسمية تطلب من قيادات صحفية الشيء نفسه، بل وتمنع المحرر المسئول عن تغطية أخبارها من دخول مقاراتها، وللأسف يستجيب معظم رؤساء التحرير حرصا على عدم خسارة المصادر، ولكن الجديد فيما حدث مع الزميلة "دينا" هو انتصار الزميل الفاضل "عصام كامل" رئيس التحرير للقيم والمبادئ المهنية وللزميلة برفضه هذه المكارثية البغيضة، وإدانة التصرف واعتباره "جريمة" حتى لو كانت "فيتو" ستصبح -جريدة وموقعا- منزوعة من "أخبار التموين".
موقف وزارة التموين للأسف هو انعكاس لحالة "مكارثية" واضحة تعيشها الصحافة كلها في مصر، فصارت هناك عقيدة راسخة لدى بعض مصادر الأخبار والمسئولين بأن صحفى هذا الزمان ليس من حقه الاجتهاد أو البحث عن خبطة أو انفراد أو سبق، وأصبح لديهم قناعة خاطئة بأن زمن الخبطات -في نظرهم- قد ولى وانتهى..
وأننا في زمن صحافة "الدليفرى" كما أطلقت عليها من قبل، أي أن يكون الصحفى "بوسطجيا" أو ناقلا فقط وبدون تغيير أو تحريف أو تعديل في أي حرف من حروف أو فقرات المادة الصحفية التي يتم صياغتها في أروقة وعلى هوى الوزارة ومسئوليها لتجميل وجوههم وليس لصالح حق الناس في المعرفة أو حرية التعبير، وغير ذلك يعنى أنه ضد مصلحة الدولة.
وربما تفسر تلك النظرة الغريبة انصراف الناس عن الصحف في مصر وتدنى توزيعها إلى أرقام مخزية وفاضحة، والنتيجة أن صارت كلها متشابهة في عناوينها كأنها نسخة واحدة، بل صرنا نرى أخبارا "فوتو كوبى" في كل الصحف لأنه ممنوع الاجتهاد أو الاقتراب أو التغيير بناءً على رغبة المصدر.
لدينا في مهنتنا نماذج عديدة لصحفيين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا "بوسطجية" وصار ولاؤهم للجهات التي يقومون بتغطيتها أكثر من ولائهم لصحيفتهم فتفتحت لهم كل الطرق، وآخرين رفضوا أن يكونوا كذلك فخسروا الكثير، لكنهم كسبوا احترام أنفسهم واحترام كل زملائهم داخل وخارج المهنة.
نكرر.. لوجه هذا الوطن "افتحوا نوافذ الحرية للصحافة حتى تخرج من أزماتها ويعود لها القراء، وتعود كما كانت بحق.. سلطة رابعة".
( 2 )
وجود ما يسمى سايس السيارات في الشوارع باطل وغير قانوني لأنه لا يؤدي أي خدمة مقابل ما يحصل عليه من إتاوة، وبالتالى الحديث عن مشروع قانون تنظيم انتظار المركبات وتوفيق أوضاع هؤلاء "السياس" المرفوض وجودهم هو تكريس لثقافة بيزنس الهواء وترسيخ لقيم البلطجة بحيث يصبح ممارستها بـ"رخصة".. كيف نعد تشريعا لإضفاء مشروعية على هؤلاء الذين لا يفعلون شيئا سوى الإمعان في ابتزاز أصحاب السيارات تحت شعار "الدفع أو الإهانة وقلة الأدب لمن يمتنع"؟.
( 3 )
خبر منشور في أحد المواقع –إذا صدق– يكشف عن أن وزير الكهرباء هو المتسبب في كل المبانى المخالفة والشقق اللى تم بناؤها في مصر طوال السنوات العشر الماضية؟
يقول الخبر: حصل وزير الكهرباء على وعد رسمي من رئيس الوزراء بإعادة فتح تركيب وتوصيل التيار الكهربائي والعدادات الكودية للمبانى المخالفة والعشوائيات قبل نهاية العام الحالي.
ويضيف الخبر أن وزير الكهرباء رفض طلب المحافظين بوقف توصيل وتركيب العدادات الكودية للمباني المخالفة والعشوائيات، حتى لا يمثل الأمر خسائر فادحة لوزارة الكهرباء، وبسبب أن أصحاب الشقق المخالفة "كده كده هيسرقوا الكهرباء" وبالتالى الوزارة تستفيد.
لا يهم الوزير بالطبع أن تغرق البلد في فوضى المخالفات والبناء العشوائي، والمهم ألا تخسر وزارته.
( 4 )
منذ أيام كنت أقف أمام إحدى ماكينات السحب الآلي للبنك الأهلي لإجراء عملية سحب، وجاءت سيدة وطلبت مساعدتى لها في إجراء عملية السحب لأنها –حسب قولها- لا تجيد التعامل مع الماكينة.
بعد انتهائى من عملية السحب لنفسى أعطتنى السيدة الكارت الخاص بها، أدخلته في الماكينة وقلت لها اكتبي الرقم السرى فأدخلته بحرفية وسرعة تتنافى مع جهلها بالتعامل مع الماكينة، ظهرت لى اختيارات بفئات 50 و100 جنيه ومضاعفاتها لكى اضغط على أحدها، فقالت لى السيدة أنا عايزه 50 جنيه، وعندما قلت لها الماكينة ترفض إخراج عملات بفئة الخمسين جنيها، فوجئت بها تقول لى "طيب ادينى أي حاجة من معاك علشان محتاجة خمسين جنيه"
عندئذ تسرب الشك إلى نفسى بأننى أمام حالة تسول مبتكرة وفى غاية الشياكة خصوصا أن السيدة تعلم أن الضحية معه أموال سحبها من الماكينة وقد لا يملك حجة الرفض، وربما كان كارت هذه السيدة أصلا بلا رصيد وربما كانت تعلم أن هذه الماكينة بعينها لاتصدر عملات فئة الخمسين جنيها، وربما تفعل ذلك مع كثيرين غيرى فتركتها وغادرت.
وسواء كان سيناريو هذا الموقف الذي أرويه طريقة مبتكرة للتسول بشياكة وبذكاء غير مسبوق أم أن السيدة بريئة من هذا السلوك وصادقة في احتياجها للمال؟ ورغم إدراكى أن الموقف يحتمل معنيين وقد يكون شكى في غير محله، لكنه جدير بالتسجيل فربما يكون من قراء هذا المقال أو معارفهم أو أصدقائهم من تعرض لموقف مشابه فيحتاط ويتخذ الحذر.