رئيس التحرير
عصام كامل

"زملكاويتي" التي أقلعت عنها


ربما لا يوجد شخص يعترف بكراهيته الشديدة للنادي الأهلي أكثر من حبه لنادي الزمالك مثلى، وربما لا يوجد شخص يعيش ساعات من الرعب والفزع والخوف أثناء مشاهدة مباريات الزمالك وكذلك الأهلي يصل إلى خفقان عال بضربات القلب وارتفاع في الضغط وغيرها من الأعراض المرضية مثلى، الطريف أننى أدرك أن هذه الحالة من الكراهية والرعب ليس لها ما يبررها، وحالة مرضية أحتاج إلى الشفاء منها وأسعى للتخلص منها، خصوصا وأن "أفراح" الأبيض قليلة و"أتراحه" كثيرة عكس الأحمر، لأنها تنكد وتنغص على حياتى وتجعلنى أعيش في نار أبدية وغل لا ينتهى وحقد مستديم يتنافى حتى مع طبيعتى المتسامحة مع كل الناس.


ومنذ صغرى لم يحدث في حياتى أن فاتتنى مباراة للزمالك، كان موعدها مقدسا وكنت ألغى كل ارتباطاتى من أجل أن أتابعها، وكنت أؤمن بأن كثيرا من بطولات النادي الأهلي التي حصل عليها غير مستحقة.

ومؤخرا لاحظ بعض أصدقائى غياب "بوستاتى" الزملكاوية التي كانت تملأ صفحتى منذ أكثر عن عام وسألونى عن سر توقفى، وأبشرهم بأننى والحمد لله عالجت نفسى بنفسى ودخلت مرحلة الاستشفاء والتحول نحو كونى شخصا طبيعيا وأصبحت قادرا على عدم مشاهدة كل مباريات الدوري المصرى برمته، حتى لو كنت موجودا في المنزل لأنها لم تعد تعنينى أو تشغلنى بالفعل.

وسر هذا التغيير الإيجابى -الذي صرت على يقين أنه لن يكون عارضا أو مؤقتا- هو أننى قررت أن لا أجعل انتمائى الكروى سببا في أن تتحول أيامى إلى "نكد" دائم، فنقلت اهتمامى للدوريات والكرة الأوروبية، أشاهدها وأتابع نتائجها حتى بدأت أشعر أن الفارق بينهم وبيننا في المستوى، كالفارق بين منتخبى البرازيل وسان مارينو، باختصار أصبحت مشغولا بما هو أكبر من الزمالك والأهلي فوجدت نفسى مقلعا عن التعاطى مع الكرة المصرية عموما.

ثانيا: كرهت حالة الرعب والخوف "المَرَضية" التي تسيطر على أثناء مشاهدة المباريات فكفى مانحن في حياتنا "غير الكروية" من توتر وهموم ومشكلات وأدركت أن كرة القدم والرياضة عموما لاتستحق حرق الدم والتوتر.

ثالثا: هؤلاء اللاعبون الذين نشجعهم بلا موهبة أو انتماء وولاؤهم لمن يدفع أكثر، يأخذون المال والشهرة والأضواء ثم يحرقون دماءنا أكثر مما يضيعون الفرص.

رابعا: المناخ الرياضى في مصر صار موبوءا بمناوشاته واشتباكاته ومساجلاته وقد أعود –مثل كثيرين- مهتما بالكرة المصرية بعد تحسن هذا المناخ، بالإضافة لمدرجات الملاعب التي صارت كـ"بيوت الأشباح" بلا جمهور.

والحكاية –حكاية الكراهية– في الأصل سببها أننى نشأت في قرية كان عدد الزملكاوية فيها لايزيدون عن أصابع اليد الواحدة بينما الأهلوية أغلبية كاسحة، ورأيت وأنا صغير ظاهرة "الزفة البلدى" بكلب أو حمار يرتدى الزى الزملكاوى الأبيض بعد كل مرة يفوز فيها الأهلي على الأبيض، وكان ينالنى من مكايدة أهل بلدى الأهلوية جانبا حتى شعرت باضطهاد وظلم جعلنى مشجعا متعصبا غير سوى، وهذا اعتراف حان وقته.

وأخيرا.. أعترف أننى أدين بالجميل لشخص شفانى من مرض الكراهية وجعلنى أنصرف عن التشجيع المحلى أو حتى مشجعا موضوعيا هادئا "مع إيقاف التنفيذ".

( 2 )
أخيرا.. بدأت الأحياء تضع يدها على الأرصفة المحتلة من المقاهي في تصويب لخطأ استمر طويلا، وهو تصرف محمود حلمنا به وتمنيناه منذ ٨ سنوات لإنهاء فوضي الإشغالات في شوارعك يامصر، ولكن ماهو غير محمود وغير مقبول ولا منطقي أن تقايض الأحياء تلك المقاهي بآلاف الجنيهات مقابل إعادة الوضع إلى قديمه، وكأنها جباية أو إتاوة.

أعرف مقاهى أغلقتها الأحياء ليس لأنها مخالفة أو لأنها تمددت وتوغلت وانتشرت كراسيها في الشوارع يمينا ويسارا، وليس لأنها تمارس أبشع أنواع الإشغالات المخالفة للقانون، ولكن لرفض ملاكها دفع مبالغ تصل إلى ١٥ ألف جنيه، ثم أعادت افتتاحها بعد أن دفع أصحابها "المعلوم"، وكأن الأحياء ترفع شعار "أبجني وافعل ماتريد من إشغالات ومخالفات"، وكأن الجباية هي الهدف وليس إعادة الانضباط إلى شوارع مصر.

خلال سنوات ما بعد ثورة يناير انتشرت المقاهى وتكاثرت بمئات الآلاف كالسرطان في بر مصر، حتى شعرنا أنها تملكت الأرصفة المتاخمة لها بيعا وشراء من الدولة وسجلتها في الشهر العقارى وهى ظاهرة بغيضة، فحيز المقهي هو مساحته الفعلية وليس مساحته مضافا اليها الأرصفة المحيطة في الاتجاهات الأربع كما هو حادث ومخالف لكل الأعراف والقوانين.

لا نريدها جباية أو إتاوة أو تحصيل أموال، ولكن نريدها دولة قانون وانضباط يستطيع المصريون السير بأمان في شوارعهم وعلي أرصفتهم التي وضعت المقاهي يدها عليها بدون وجه حق.

وأظن أن الأحاديث التي تتردد هذه الأيام عن اتجاه الدولة لتأجير الأرصفة لملاك المقاهى مرفوضة مقدما، فالأرصفة هي ملك الدولة وبالتبعية للمواطن، من حقه أن تكون شاغرة وأن يسير عليها بأمان بعد أن انسدت أمامه كل سبل المشى عليها، كما أن اعتبار الأرصفة كأراضى الدولة المنهوبة يجوز التفاوض مع واضعى اليد عليها بمنطق "كده كده الأرصفة مشغولة وبالتالى الدولة تستفيد بالفلوس بدلا من أن تكون مشغولة ببلاش" أيضا مرفوض شكلا وموضوعا.

نريد انضباطا وعودة لدولة القانون لالدولة الإتاوة، وياليتنا نرى اختفاء كل مظاهر الفوضي الكثيرة التي ضربت الحياة في البلد.

( 3 )
قرار غريب وعجيب وصادم أصدره المجلس الأعلى للجامعات بأن يكون شغل وظائف المعيدين والمدرسين المساعدين بموجب عقود توظيف مؤقتة لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد بشروط.

لا أرى مبررا ولا سببا لهذا القرار سوى أنه يقتل أي دافع للتفوق، ويذكرنى بأصدقاء كانوا أوائل دفعاتهم وتم استبعادهم من التعيين كمعيدين في الجامعة وتعيين من حصلوا على مجموع أقل لأن لهم "واسطة"

والسؤال: هل هذا هو مصير المتفوقين والعباقرة والنابغين والمواهب وأوائل دفعاتهم، ولماذا نضع مستقبلهم على كف عفريت، وأين يذهب هؤلاء إذا لم يجدوا مكانا في الجامعة، وهل الجامعات أفلست بحيث أصبحت عاجزة عن تدبير راتب معيد متفوق فتجعل عقده مؤقتا ؟

القرار الغريب لا يزال في مرحلة الإجراءات التشريعية وسيتم مناقشته في البرلمان الذي يملك وحده الموافقة أو الرفض أو التعديل عليه، وأتمنى عدم إقراره لأنه ظالم وجائر وغير عادل.
الجريدة الرسمية