رئيس التحرير
عصام كامل

دولة وأنا مالي !


ثمة حقائق كشفتها الأحداث المتنوعة منذ وقت ليس بالبعيد، ولكن للأسف الشديد تخشى الحكومة ومؤسسات النظام عن مصارحة أنفسها بها رغم وضوحها الجلى وتأثيرها في الأحداث الصاخبة اليومية، والتي نأمل أن يكون آخرها حادث البدرشين الإجرامى الحقير، ليست الأزمة في وجود تقصير أمني وحسب.. أو حتى في وجود تراجع استراتيجي وتدريبى في مجابهة قوى الظلام الإرهابية الوضيعة، ولكن الأزمة الحقيقية في إحساس اللامبالاة الذي صار حاكما، بل متحكمًا في قطاعات عديدة من الشعب اتخذت من مقولة (وأنا مالى) نسقًا حياتيًا أجبرت عليه في الآونة الأخيرة، أو دفعتها سياسات الدولة دفعًا إلى الارتماء في أحضانه إيثارًا للسلامة حتى تحافظ على حياتها البائسة في ظل غلاء حارق وقاهر، ولكنه أفضل من السجن والحرمان حتى من البؤس الذين تعودوا عليه.. كيف ذلك !؟


بداية الأمر كانت في أبريل من العام الماضى 2016 عندما وقعت الحكومة اتفاقية ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية والتي بمقتضاها ذهبت جزيرتى «تيران وصنافير» بجرة قلم لدولة أخرى بعيدًا عن حضن الوطن، بالطبع لم نملك رفاهية أو حتى (شجاعة) الحديث عن تلك الاتفاقية ونقدها أو رفضها لأن ببساطة من فعل ذلك تم سجنه والتضييق عليه لأنه جاهر بوطنيته.. لذا من الأفضل أن نقول للحكومة افعلى كما تشائين أنت ومؤسساتك ونحن فقط متفرجون، طبعًا الفرجة كلها مرارة ويأس وإحباط ولكن ما باليد حيلة! ستنا الحكومة أنت على حق والوطن ليس لنا كلمة فيه ولا نملك الحق في الجهر بحسرتنا على أرض كانت في يوم مصرية.. لم أقل مصرية لأن تلك المقولة صارت جريمة.. تخيل !

إن كان الأمر كذلك، وإن كان من يجرؤ على الإتيان رأى مخالف نهايته مأساوية، وإن كان من انتقد الإخوان وتيارات اليمين الدينى كلها لسنوات صار إخوانيا عند الحكومة في غمضة عين لأنه جاهر بنقدها يوما.. فالأفضل إذن هو السكوت والصمت، بل السكون والمشى حقًا داخل الحيطان وليس بجوارها كما يقول المثل المصري، ترتفع الأسعار وتتضاعف وينتشر الغلاء ويتوغل ويتحول لسرطان لا رجاء من تناول مسكنات بلهاء ضده ومع ذلك تطالبنا مؤسسات الدولة بالصمت.. يقولون لنا صراحة أو من وراء بوق إعلامي أحمق (نحن نعرف أفضل منكم.. من أنتم.. نحن نعرف مصلحتكم، نحن نرى ما ترونه، الغلاء في مصلحتكم ورفع الدعم يصب في راحتكم، وثبات رواتبكم هو عين العقل والتمتع برؤية الدولار ينهش آدميتكم منتهى الحكمة والإنجاز والإعجاز.. ألا تعقلون !)، ويتحتم علينا أن نقول بلى.. أنتم على صواب ونحن مخطئون وتائبون عن خطيئة أننا اعتقدنا يومًا غير ذلك.. لكم الوطن كله ولنا صمتنا.. أهكذا تفرحون !

كانت نتيجة المطالبة بالصمت والتلويح بسطوة القانون ضد من يفكر في الاعتراض أو يتجرأ ويكتب كلمتين على مواقع التواصل الاجتماعى أن صار الوطن عند البعض أقل أهمية من زجاجة زيت وكيلو سكر بكل أسف.. صار وطن المصرى هو بيته الصغير أو شقته أو حتى عشته التي يأوي إليها تاركًا دولة و(أنا مالى) تفعل في نفسها ما تشاء وتفعل به الأفاعيل.. أتذكر أنه في رمضان الماضي كان مجلس الشعب يقر اتفاقية الحدود وكان هناك صخب على مواقع التواصل الاجتماعى من بعض النشطاء والمهتمين بالشأن العام.. ولكن في الأسواق وعلى المقاهى الشعبية ملاذ الفقراء كان هناك حديث فقط عن سعر كرتونة البيض وعن جنون أسعار كل السلع، أما الوطن فكان خارج اهتمامات المواطن..

ترك المواطن المطحون كل شىء وراء ظهره ونظر فقط لما يستر أولاده ويقيهم شر السؤال.. ثم كنت الكارثة الأخيرة يزيادة أسعار الوقود وما تبعها من كهرباء وغاز ومياه.. تتركون مقومات الحياة تتسرب من بين أيدي الناس ثم تلومونهم على عدم مقاومة إرهابيين أنذال يقتلون بدم بارد جنودنا من رجال الشرطة وقد حذرتهم من قبل في التدخل في أي شأن عام، ألم تعرفوا أن تلك هي إحدى نتائج دولة و(أنت مالك) والتي رأت فيها الحكومة بمؤسساتها أنها وصية على شعب لا يعي ولا يعرف مصلحته.. يا عم وأنا مالى أنا كمان.. اعتبروا هذا الكلام هو والعدم سواء. 
fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية