رئيس التحرير
عصام كامل

حكم الشرع فى إقامة المرأة فى شقة والد مطلقها

حكم الشرع فى إقامة
حكم الشرع فى إقامة المرأة فى شقة والد مطلقها - صورة ارشيفية

كنت أقيم مع زوجى وأولادى فى شقة والد زوجى حتى يتم الإنتهاء من تأسيس شقة منفصلة لنا حسب وعد والد زوجى، ولكن حدثت خلافات كثيرة مع زوجى إستحالت بعدها الحياة الزوجية بيننا، وانتهى الامر بالطلاق بيننا، ولاننى الحاضنة لأولادى ولا يوجد شقة مستقلة استطيع الإنتقال اليها فهل يمكنى الاقامة مع اولادى فى شقة والد مطلقى، وما حكم الشرع؟

 

الأصل شرعا أن مكان الحضانة هو المسكن الذي أعده الزوج لسكن الزوجية، ذلك أن الزوجة ملزمة بمتابعة زوجها والإقامة معه حيث يقيم، والمعتدة يلزمها البقاء في مسكن الزوجية حتى تنقضي العدة سواء مع الولد أو بدونه، لقوله تعالى: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [الطلاق: 1]..

 

اقرأ ايضا: حكم الشرع فى التنازل عن بعض الحقوق مقابل الطلاق

 

وإذا انقضت عدة الأم فمكان الحضانة هو البلد الذي يقيم فيه والد المحضون أو وليه، لأن للأب حق رؤية المحضون، والإشراف على تربيته، وذلك لا يتأتى إلا إذا كان الحاضن يقيم في بلد الأب.

 

ومقتضى الحضانة في الشريعة الإسلامية حفظ المحضون وإمساكه عما يؤذيه، وتعليمه وتربيته لينمو، وذلك بعمل ما يصلحه، وتعهده بطعامه وشرابه، وغسله وغسل ثيابه، وتعهد نومه ويقظته.. وبناء عليه: فيلزم في مسكن الحضانة ما يحقق هذا المقتضى، وبحيث تأمن فيه الحاضنة على نفسها وولدها ومالها ومتاعها، وتتمكن فيه من القيام بواجبات الحضانة وحقوقها.

 

والأصل شرعا أن على والد المحضون توفير مسكن للحضانة، لأن نفقة الفروع بإتفاق الفقهاء تكون واجبة على الأب إذا كان موجودا وقادرا على الإنفاق لا يشاركه فيها أحد، لقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ﴾ [البقرة: 233]، فالآية تدل على حصر النفقة في الأب دون سواه إذا كان موجودا قادرا، فإذا لم يكن موجودا أو عاجزا عن النفقة وجبت نفقة فروعه على أصوله عند جمهور الفقهاء الذين ذهبوا إلى وجوب النفقة لسائر الفروع وإن نزلوا، لأن الولد يشمل الولد المباشر وما تفرع منه.

 

اقرأ ايضا: حكم الشرع في حفلات الزفاف

 

للمطلقة الحاضنة بعد الطلاق الاستقلال مع محضونيها دون المطلِق بمسكن الزوجية، حتى إذا ما انتهت الحضانة أو تزوجت المطلقة فللمطلق أن يعود ليستقل دونها بذات المسكن إذا كان من حقه ابتداء الاحتفاظ به شرعا.

 

وإذا كان الأصل شرعا أن توفير مسكن للزوجية والحضانة مستقل هو أمر يلزم به الزوج، فإن تبرع الجد -والد الزوج- بإقامة أسرة ابنه لديه، هو من باب التبرع بمنافع تلك الدار، والأصل في التبرع عدم انتهائه، لما فيه من البر والمعروف، باستثناء الإعارة لأنها مؤقتة.

 

اقرأ ايضا: حكم الشرع فى سفر المرأة للدراسة فى الخارج

 

وبإستعراض أقوال الفقهاء في انتهاء التبرع، يتبين أن الانتهاء يتسع في بعض أنواع التبرع، ويضيق في بعضها الآخر، ومن ناحية أخرى فقد يكون إنهاء بعض التبرعات غير ممكن كالوقف عند جمهور الفقهاء، وقد يكون أمرا حتميا كالإعارة، فكون جد المحضونين متبرعا في الأصل بإقامتهم لديه، لا يعطيه مطلق الحق في إنهاء هذا التبرع وقتما شاء، بالنظر لما يترتب على الرجوع من الضرر البالغ بأحفاده الصغار.

 

كما أن ما وقع من الجد في واقعة السؤال هو عبارة عن وعد بإقامة الأسرة لديه لحين توفير مسكن للزوجية، والقاعدة الشرعية عند الحنفية: "أن الوعود والمواعدات قد تكون ملزمة لحاجة الناس".. فالوفاء بالوعد واجب متى ترتب على الإخلاف ضرر، ويستحب الوفاء به فيما عدا ذلك.

 

فإذا لم يوفر والد المحضونين مسكن حضانة مناسبا في الحال، لزم الجد الوفاء بما سبق منه من الوعد بالإقامة والتبرع بها حفاظا على مصلحة الصغار، وللقاضي إجباره على ذلك حفاظًا على مصلحة الصغار، وللجد إذا شاء بعد ذلك أن يرجع على ابنه والد المحضونين بأجرة المثل.

 

اقرأ ايضا: حكم الشرع في ارتداء النساء لملابس الحداد السوداء

 

ولا مانع شرعا من إقامة الحاضنة مع محضونيها لدى جدهم والد مطلقها، سواء أكانت الحاضنة مطلقة رجعية أم بائنة بينونة صغرى أو كبرى؛ لأن والد المطلِق هو جد أولادها وليس أجنبيا عنها بل هو محرم عليها على التأبيد بمجرد عقد ابنه عليها، لقوله تعالى في المحرمات من النساء: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾ [النساء: 23]..

 

وقال الإمام الرازي: قد أجمع العلماء على تحريم ما عقد عليه الآباء على الأبناء، وما عقد عليه الأبناء على الآباء سواء كان مع العقد وطء، أو لم يكن، لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءَابَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: 22]، وقوله: ﴿وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ﴾. والله تعالى أعلم.

 

الجريدة الرسمية