"تطبيع" بطعم الفشل
أؤكد أن الخطوة السودانية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل محكوم عليها بالفشل، ولن تكتمل، وسيكون مصيرها ذات مصير كل تجارب الدول العربية التي حاولت إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل، بدء من "مصر" التي كان لها السبق في عام 1978 وانتهاء بـ "سلطنة عمان وتونس وقطر والمغرب" التي اضطرت لتجميد العلاقات في أكتوبر عام 2000.
فالمتتبع لمسيرة العلاقات "العربية - الإسرائيلية" منذ مبادرة الرئيس الراحل "أنور السادات" بزيارة "تل أبيب" وتوقيع اتفاقية "كامب ديفيد" وما تبعها من علاقات علنية أو سرية بين عدد من الدول العربية وإسرائيل، يجد أن جميعها باءت بالفشل، وأخفقت في تحقيق الحد الأدنى من درجات "التطبيع" لا لشيء سوى أنها تأتي "على غير رغبة الشعوب" التي ما زالت تعتبر "إسرائيل" عدوها الأول، الذي من المستحيل أن تبني معه علاقات طبيعية في أي من المجالات.
اقرأ أيضا
وهو بالتحديد ما أستطيع أن أجزم أنه سينطبق على النموذج السوداني في العلاقات مع "تل أبيب" والذي يأتي تلبية لمتطلبات المرحلة وسياسة "لي الذراع" التي فرضتها المؤامرات الأمريكية والدولية على المنطقة، والتي جعلت كثيرا من الدول العربية تقيم خطوط اتصال مباشرة وغير مباشرة على "استحياء" وفي "الظلام" مع "الكيان الصهيوني".
وهو ذات السبب الذي دفع" السودان" إلى الانصياع والدخول على ذات الخط، من خلال لقاء تم ترتيبه برعاية "دولة عربية" ترتبط بعلاقات سرية مع إسرائيل، جمع "رئيس مجلس السيادة السوداني" عبدالفتاح البرهان و"رئيس الوزراء الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو، في العاصمة الأوغندية كامبالا منذ أيام.
اقرأ أيضا: قادة البيزنيس
للأسف، لقد توهم صناع القرار في "السودان" المعادية تاريخيا لإسرائيل، في التقارب من "تل أبيب" أقرب الطرق لمخاطبة قلب "واشنطن" لرفع اسم "الخرطوم" من "قائمة الإرهاب" وفتح المجال لاستقطاب ولو القليل من الاستثمارات الخارجية لبلادهم، في محاولة لتغيير الأوضاع الاقتصادية المأساوية التي تراجعت بشكل بشع خلال السنوات الأخيرة.
لقد تناسى "البرهان" ورفاقه، أن أزمة البلاد ليست في القطيعة مع" إسرائيل" ولكن في الحروب الأهلية التي استمرت لسنوات وما زال فتيلها مشتعلا في أجزاء من البلاد، والفساد السياسي الذي سيطر على الحكم لسنوات، ومعهم السياسات الخاطئة التي أودت بالبلاد إلى حصار أمريكي خانق، وانفصال الجنوب، وفقدان الجزء الأكبر من موارد النفط.
الواقع يقول إن "الكيان الصهيوني" لم يسع إلى إقامة علاقات مع "السودان" حبا في الشعب السوداني، أو رغبة في مساعدة "الخرطوم" للخروج من محنتها السياسية والاقتصادية، ولكن بحكم "التغيرات الجديدة في ملف "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي" ورغبة "تل أبيب" في تحقيق تقارب مع العدد الأكبر من الدول العربية، أملا في الحصول على تأييد عربي لتمرير "صفقة القرن".
اقرأ أيضا: قتلة الشعب السورى
وهو ذات الخط الذي تضغط واشنطن في اتجاهه منذ تولي "ترامب" مقاليد الحكم، ونجحت من خلاله في فتح خطوط اتصال مباشرة وغير مباشرة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، أسفرت عن عقد لقاءات مباشرة بين مسئولين عرب وإسرائيليين، وأخرى تمت عبر وسطاء، وجميعها تصب في اتجاه "تطبيع العلاقات مع تل أبيب".
للأسف، أن القرار السوداني لاقامة علاقات مع الكيان الصهيوني لم يأخذ وقتا، وكأنه كان معدا منذ التصريح الشهير لـ "إبراهيم الغندور" وزير الخارجية في عهد "البشير" عام 2016، عندما قال علنا: "إن التطبيع مع إسرائيل قابل للدراسة" وهو ما اعتُبر في ذلك الوقت "انقلابا" في سياسة نظام "البشير" الذي كان يعتبر مجرد الحديث عن إسرائيل بشكل إيجابي "جريمة".
إلا أنه على عكس كل التوقعات، سمحت الخرطوم بعد أيام من لقاء "برهان - نتنياهو" بتحليق طائرة إسرائيلية في أجواء البلد الذي كان كان قبل سنوات قليلة محسوبا على "محور الممانعة".
الغريب أن الفريق" البرهان" الذي ادعى أن "تطبيع العلاقات مع إسرائيل يلقى تأييدا شعبيا واسعا، ولا ترفضه إلا مجموعات أيديولوجية محدودة لم يدرك أنه سبقه إلى ذات الادعاء "زعماء وقادة" يزيدون عنه ثقلا وحنكة وعمقا وفهما وإدراكا لطبيعة العلاقات الدولية والسياسية، ورغم ذلك "فشلوا شعبيا" في تسويق فكرة "التطبيع" في بلادهم، واضطروا تحت ضغط "الرفض الشعبي" إلى تجميدها، أو قصرها على تمثيل دبلوماسي "شكلي" لا يقدم ولا يؤخر.