مصير مفاوضات "سد الكارثة"
على الرغم من ظهور بصيص من الأمل خلال جولات التفاوض الأخيرة مع الجانب الإثيوبي، فيما يتعلق بكثير من النقاط الخلافية حول "سد النهضة" إلا أنني أرى أن مفاوضات واشنطن القادمة يجب أن تكون الأخيرة في السياسة الدبلوماسية "طويلة النفس" التي اتبعتها مصر مع أثيوبيا طوال السنوات الـ 8 الماضية.
ولا سيما وأن عشرات الجولات السابقة من المفاوضات، قد أكدت أن "أديس أبابا" دائما ما تتشبس بمواقفها، بل وتتراجع بعد التوافق على كثير من النقاط الخلافية، بهدف كسب مزيد من الوقت، للانتهاء من بناء السد، ووضع "القاهرة والخرطوم" أمام الأمر الواقع.
اقرأ أيضا:
عملاء استيراد الغاز الإسرائيلي
وهو ما يدعوني إلى دعوة القاهرة -في حالة فشل مفاوضات واشنطن- إلى تخطي خيار اللجوء إلى "الوساطة" المقرر اللجوء إليه -طبقا لإعلان المبادئ- والذى لن يفيد مصر، مهما كانت قوة أو حجم الدولة التي سيتم اختيارها كوسيط، وأن الخطوة لن تأتي بجديد مع الجانب الإثيوبي، الذي أثبتت المفاوضات أنه يعمل لكسب مزيد من الوقت.
للأسف، أن سياسة التعنت وفرض سياسة الأمر الواقع التي فرضتها إثيوبيا، يفرض على مصر ضرورة اللجوء إلى "مجلس الأمن" والضغط بكل ما تمتلكه من أوراق، خاصة "تقرير لجنة الخبراء" الذي شكك في "لب تصميم السد" باجتماع اللجنة المتخصصة التي تم تشكيلها من خبراء من خارج منطقة حوض النيل، والذى لم تنفذ إثيوبيا أي من توصياته".
اقرأ أيضا
في الوقت الذي لا يعني السد لأثيوبيا "قضية حياة" كما هو الحال في "مصر والسودان" حيث لن تعتمد عليه "أديس أبابا" لتدبير احتياجاتها من مياة الشرب أو الزراعة لأسباب "تضاريسية" تتلخص في أن معظم الشعب الإثيوبي يعيش في مناطق مرتفعة عن المنطقة المنخفضة التي يقع فيها السد، وأن المناطق الزراعية تبتعد كثيرا عن مكان تشييده.
أعتقد أن سياسة الأمر الواقع التي فرضتها علينا إثيوبيا، تحتم ضرورة عدم التهاون في أمر "سد الكارثة" ولا سيما وأن الواقع يؤكد أيضا أقد فشلنا في إدارة ملف المفاوضات منذ عام 2012، وان عباقرة المفاوضات قد ورطوا الدولة فى التوقيع على "صك اعتراف" بالموافقة على بناء السد للجانب الإثيوبى بموجب "إعلان مبادئ" دون أن نضمن لأنفسنا أية حقوق.
حيث أكد إعلان المبادئ، على عدم المساس بالاتفاقيات التاريخية لمياه النيل، دون أن نضمن تقديرًا لحصص المياه أو استخداماتها، حيث اقتصر النص فقط على ملء وتشغيل السد، على أن يعقب الاتفاق اتفاقات أخرى.
فى الوقت الذى لم نطرح فيه أن موافقتنا على بناء السد "مشروطة" بضمان المكاتب الاستشارية، على ألا تكون هناك أية أضرار على مصر، مع ضمان لكامل حصتها من المياه من خلال معاهدة جديدة.
إن الحقيقة التى لا نريد أن نعترف بها أيضًا، إن السد أصبح أمرًا واقعًا، وإن البناء مستمر وبشكل أسرع مما نتخيله، لدرجة أن الإنشاءات أوشكت أن تصل إلى مراحلها النهائية، وسيتم افتتاح المرحلة الأولى من السد خلال يونيو القادم.
ولو افترضنا أنه طبقا "لإعلان المبادئ" تم الإقرار بأن هناك أضرارًا على مصر، فلن يكون أمامنا سوى المطالبة بالتعويض و"كلما سمحت الظروف" أى أنه ليس مؤكدًا أن نحصل حتى على تعويض، إلا إذا "سمحت الظروف".
الواقع يؤكد أننا فى ورطة، وأن السد أصبح واقعا، وأنه لا جدوى من المفاوضات، وأنه لم يعد أمامنا سوى إلغاء "وثيقة إعلان المبادئ" وسحب الاعتراف بالسد، والتعامل مع الأزمة على أنها "عمل عدائى" يضر بمقدرات وحياة المصريين، واللجوء إلى "الأمم المتحدة" استنادًا إلى مخالفة إثيوبيا للقانون الدولي للمياه، واتفاقيات المنظمة لبناء السدود.. وكفى.