قتلة الشعب السوري
وسط سخط دولي واسع، وتآمر "أمريكي روسي إيراني" مكشوف، بدأت تركيا منذ أيام عملية عسكرية دنيئة على شمال شرق سوريا، تحت زعم تطهير المنطقة من الإرهاب الكردي، ودحر قوات سوريا الديمقراطية "الأبطال" الذين كانوا أصحاب الفضل الأول في تطهير المنطقة من تنظيم "داعش" الإرهابي، وقدموا في سبيل ذلك ما يزيد على 8 آلاف شهيد، و25 ألف جريح.
للأسف، أن الرئيس الأمريكي "ترامب" ومعه كل من الرئيس الروسي "بوتين" والرئيس الإيراني "روحاني" الذين يمتلكون كل أوراق اللعبة على الأرض في سوريا، يعلمون مسبقا مدى المردود السلبي "اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وعسكريا" للعملية العسكرية التركية على المنطقة، ورغم ذلك غضوا جميعا الطرف عن رغبة الرئيس التركي، وقرر الأمريكان سحب قواتها -دون مبرر- جزئيا من شرق سوريا، لتمهد الطريق لـ "أردوغان لاحتلال المنطقة.
بل الأكثر من هذا، أنهم جميعا باركوا اتفاقا مجنونا عقده "الأمريكان" منذ شهور مع الأتراك، باعوا بموجبه "مجلس سوريا الديمقراطي" لـ "أردوغان" لتأمين حدوده من خطر مزعوم ولا مجال لتحقيقه بانفصال الأكراد بدولة في منطقة شمال سوريا، تطمح بالتوسع وتهدد الدولة التركية.
الواقع يؤكد أنه لم يكن لـ "أردوغان" ليجرؤ على اجتياح منطقة الشمال السوري سوى بعد مباركة "أمريكية روسية إيرانية" رغم علمهم جميعا بما قد تسفر عنه الخطوة التركية من تمهيد لفتنة قد لا تنتهي على الشريط الحدودي مع سوريا، وسقوط آلاف القتلى والمشردين الأبرياء في مواجهات مع "قوات سوريا الديمقراطية"، التي فرض عليها خيار "الدفاع عن النفس"، وتمتلك من القوة والخبرة والاحترافية ما يجعلها ندا لا يستهان به بعد الحروب العنيفة التي خاضتها ضد تنظيم "داعش"، والتي قد تجعل من الاحتلال التركي حلم صعب المنال.
للأسف، أن الرؤساء الأربعة قد خانهم التوفيق، وأن الواقع يؤكد أن الأتراك لن يهنئوا باحتلالهم لمنطقة الشمال السوري، وأن المستفيد الأكبر من خطوة "أردوغان" المجنونة، هو تنظيم "داعش" والفصائل المتطرفة التي ستعود إلى المنطقة بسهولة من جديدة، من خلال الآلاف العناصر المتطرفة التي دفع بهم "أردوغان" بالفعل مع قواته تحت مسميات جديدة، مثل "الجيش السوري الحر" وفتح السجون التي تحتجز بها قوات سوريا الديمقراطية الآلاف من عناصر "داعش"، وفتح الحدود التركية من جديد للمتطرفين للتدفق إلى الشمال السوري.
أؤكد أن "ترامب" الذي يدعي -على عكس الحقيقة- رفضه للخطوة التركية، ومعه الرؤساء الثلاثة، قد وضعوا السيناريو على أساس احتلال الأتراك لمدن "تل أبيض كوباني، والدرباسية، والمالية، وديريك" وترك باقي مناطق الشمال السوري تحت سيطرة الإدارة الذاتية لـ "مجلس سوريا الديمقراطي" لحين عقد اتفاق بين النظام وروسيا من جهة، وبين أمريكا وتركيا والغرب من جهة أخرى.
في الوقت الذي وضع فيه الرئيس التركي دول الغرب في موقف المتفرج "جبرا" بعد تهديدهم بفتح باب هجرة المتطرفين واللاجئين إليهم، في حالة وصف اجتياحه للأراضي السورية بـ "الاحتلال" بعد أن وضع سيناريو نهاية الحرب في سوريا على أسس غير منطقية صعبة التحقيق، تقضي بتدخله لإنهاء كارثة آلاف المتطرفين في "إدلب" مقابل احتلاله للشريط الحدودي مع سوريا.
غير أن الواقع يؤكد أن أمر التطرف في "إدلب" أصبح أكبر من تركيا ومن "أردوغان" في الوقت الذي لم تحقق فيه أمريكا أيا من أولوياتها في سوريا وعلى رأسها "محاربة الإرهاب، والنفوذ الإيراني، والأمن الإسرائيلي، والصراع الأمريكي الروسي سياسيا واقتصاديا وعسكريا في سوريا والمنطقة".
أؤكد أن الأحداث في منطقة الشمال السوري لن تستمر على ما هي عليه، وأن الأيام القليلة القادمة سوف تجعل "الإدارة الأمريكية" تعود "مجبرة" لوضع حد لجموح الرئيس التركي، خاصة وأن التخلي يعني صراحة خروج أمريكا من أي معادلة سياسة بحكم افتقدها لعوامل القوة التي تستمدها من وجودها العسكري في سوريا، مع تزايد النفوذ الإيراني، واستحواذ الروس على كل الموارد والمقدرات النفطية، وعودة التنظيمات الإرهابية من جديد.
ويبقي "العرب" كعهدنا بهم يقفون في موقع المتفرج، لا يملكون من أمرهم سوى الشجب والإدانة.. وكفي.