مراتب النفس البشرية
عزيزي القارئ نتحدث في هذا المقال عن أعظم ما خلق الله تعالى وأبدع وأعلى مظهر في عالم الخلق، ظهرت فيه طلاقة القدرة الإلهية وعظيم الإبداع الإلهي، نتحدث عن النفس البشرية.
فهي مكمن السعادة والشقاء، وهي التى تقود صاحبها إما إلى الجنة وإما إلى النار.. يقول الله تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿7﴾ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿8﴾ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴿9﴾ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)صدق الله العظيم ..
عندما خلق الله تعالى النفس أودع فيها سبحانه القابلية والاستعداد الكامل للسمو والارتقاء وبلوغ منازل ترقى منازل الملائكة الكرام، وبنفس القدر أودع فيها سبحانه القابلية للانحطاط والتدني وبلوغ منازل أدنى من منزلة الحيوانات والبهائم، يقول عز وجل: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)..
اقرأ ايضا: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا
والله تعالى حينما خلق النفس غمسها في حياض حضرة الربوبية فخرجت معبأة بالأنا وما فيها من عظمة وكبرياء، ثم أوقفها بين يديه عز وجل وخاطبها سبحانه وتعالى بقوله: من أنتي ومن أنا.. فقالت بلسان الكبرياء والتعالي: أنت أنت وأنا أنا.
فعذبها عز وجل بكل أنواع العذاب، وهي مصرة على قولها ومنازعتها لربوبيته تعالى، فمنعها سبحانه من أهوائها وميلها وأدبها بالجوع فانكسرت وخضعت له سبحانه، ومن هنا نتعلم أن تهذيب النفس وخضوعها لربها ومولاها لا يتأتى إلا على إثر مخالفة هواها وكسر شهوتها بالجوع والعطش.
هذا والنفس البشرية هي جوهر ذات الإنسان وهي نفس واحدة لها عدة أوصاف توصف بها بحسب حالها، فإن كانت تميل إلى السوء والمعاصي متعلقة بالأهواء والشهوات تسمى وتوصف بالنفس الأمارة بالسوء. يقول تعالى في سورة يوسف على لسان يوسف عليه السلام: ( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ).
اقرأ ايضا: أفيقوا قبل فوات الأوان
هذا و أما إذا كانت تراجع نفسها وتلومها وتعاتبها على الأفعال السيئة تسمى وتوصف بالنفس اللوامة.. وهذه النفس ممدوحة من الله تعالى ولقد أقسم بها عز وجل ومعلوم أن الله لا يقسم إلا بشيء عظيم وذلك لأنها تؤنب وتراجع صاحبها وتندم على فعل السوء.
يقول سبحانه: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)..هذا وإن كانت النفس في حال استواء بين الخير والشر.. أي متساويان تسمى وتوصف بالنفس الملهمة، وهذه الصفة تتوسط صفات النفس السبعة يقول سبحانه: (وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورهَا وَتَقْوَاهَا)..
هذا وأما إن كانت نفس طيبة مزكاة تميل إلى الطاعة والإستقامة وفعل الخيرات وتأنف من الرزائل والقبائح والمعاصي تسمى وتوصف بالنفس المطمئنة، وهي النفس التي حظت بإشراقات الله تعالى وتجليه بأنواره وعلومه ومعارفه، وهي التي بلغت مقام اليقين والإطمئنان بربها عزوجل، وهي النفس المؤهلة لتلقى خطاب الله تعالى، يقول سبحانه و تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)..
هنا تقام النفس في مراتب الكمال وتمنح من الله تعالى صفة الرضا والرضوان وصفة الكمال، وهي الأوصاف التي تقيمها في حضرة القرب وتعايش على إثرها حضرة الأنس بربها عزوجل، بعدما تقام في مقام العبودية الخالصة لله، وتشرف بالانتساب إليه سبحانه وتعالى..
هذا ومعلوم أن شرف العبودية لله تعالى شرف لا يرقاه شرف وفي هذا المقام يقول الإمام علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه: كفى لي فخرا أن أكون لك عبدا.. وكفى بي عزا أن تكون لي ربا.. أنت لي كما أحب فوفقني إلى ما تحب..
عزيزي القارئ نتحدث بمشيئة الله تعالى عن كيفية تزكية النفس حتى تصل إلى النفس الكاملة المخاطبة والداخلة في عباد الله تعالى وجنته.