عندما تغيب الدولة عن الفن!
لا يكفى الحضور الأمنى للدولة لكى يستقر المجتمع، الحضور الأمنى يحمى دعائم الدولة. غيابه عن الشارع يقوض الشعور بالمحاسبة. مرور الحكومة غائب عن الشوارع، وبخاصة الرئيسية الداخلية، وعلى الطرق السريعة، حيث ترعى جرذان التكاتك بلا ضابط ولا رابط.
مرور الحكومة غائب عن ملاحقة ومحاسبة مسعورى الكلاكسات من سائقى الميكروباصات والتاكسيات. مرور الحكومة حاضر أحيانا فى اوقات ذروة فى اماكن مختنقة بطبيعتها ليعلن أنه يمارس دوره ووظيفته!
الحضور المظهرى يساوى الغياب الفعلى فى نتائجه. مع غياب الحساب تنطلق الفئران فى كل اتجاه. من أجل هذا تفشى طاعون الغثاء المسمى بأغانى المهرجانات لمطربى الترامادول والحشيش والأندروير! تنطلق من خلال ميكروفونات التكاتك والميكروباصات !
اقرأ أيضا: من أخلاقكم سلطت عليكم أيامكم
الرفض الشعبى لأغانى الإسفاف أيقظ نقيب الموسيقيين المطرب الكبير هانى شاكر، أو لنقل زوده بالدعم الشعبى المطلوب وساعده على مواجهة سطوة رمضان كورونا المسنود.. ممن؟ من الأشباح!
مصر مملوءة حاليا بالأشباح.. يظهرون فقط لعبيدهم وذيولهم ولاعقى أظافر اقدامهم! يوفرون الحماية والتلميع والتبضيع.. مقابل التسبيح! لما غضب الضمير العام.. ظهرت الحاجة الى البديل العام.
حسنا أنت ترفض أغانى الحمامات والغرز والمساطيل.. فأين البديل؟
اقرأ أيضا: مقابر فيس بوك.. كيف تعرف أنك مت!
انحسار الفن الراقى.. ترك الأرض مباحة متاحة لمطربى المخدرات. المنتجون المحترمون انسحبوا. المنتجون السريون تقدموا. لم يعد تقديم اغنية قذرة مكلفا. اليوتيوب وفر محطة فضائية كاملة. غياب البديل الذى يقدمه القطاع الخاص المثقف، والذى تقدمه الدولة، أطلق الفرصة امام الفوضى العارمة التى نعانى عواقبها حاليا من رقص في طوابير الصباح وقاعات الدرس على اغانى حسن شاكوش.. وكزبرة والدخلاوية والعصابة!
تلك أسماؤهم!
من الأطلال لإبراهيم ناجي ورق الحبيب لرامى ومداح القمر لمحمد حمزة وغريب يازمان لعمر بطيشه.. وانت عمرى وانت الحب.. ومئات الألحان والكلمات لمئات وآلاف المطربين المؤثرين في الوجدان العام.. انزلقنا إلى ماسورة صرف صحى وما نزال محشورين فيها.
اقرأ أيضا: لماذا نموت في دراما رمضان موتا؟
يطالب كثيرون بعودة الدولة الى الإنتاج في السينما وفى الغناء، ويتحفظ البعض على إعادة توريط الدولة فى الإنتاج، تؤلمهم خبرة سابقة لمؤسسة السينما فى العصر الاشتراكى.. خسائر فادحة وأفلام مجاملات.. لكن يجب الآ ننسى أن الدولة وقتها أنتجت وقدمت أفلاما ذات أثر عميق فى وجدان الناس وتوعيتهم وتعميق انتمائهم وكانت السينما سلاحا من أمضى أسلحة الإعلام الموجه وقتها.
اليوم نتحفظ أيضا على فكرة توريط الدولة بالدخول في لعبة الإنتاج، لأنها لعبة سوق بصفة جوهرية، لكن ليس يعنى ذلك غياب الرقابة والتوجيه والضبط. ليس المقصود اتخاذ إجراءات قمعية.. اشتراكية، بل المقصود تفعيل الأجهزة المنوط بها محاسبة الخارجين على الآداب العامة..
اقرأ أيضا: .. وإعلام التآمر موجود داخليا أيضا !
فالمصنفات كان يجب عليها إخطار بوليس الأداب.. ومكافحة المخدرات لضبط مروجي الحشيش والدعارة من خلال أغان خليعة تثير الحاجة الملحة للتسوق والتبضع. الأولى للحشيش والثانية لنساء الليل! الكليبات المذاعة علي فضائيات غنائية وفضائيات الرقص لم تمر على المصنفات في معظمها!
اقرأ أيضا: مأساة محمد رمضان
ليالي التليفزيون وحفلاته الراقية نفتقدها.. لجان إجازة أصوات المطربين راحت في سبات الموتى.. الصحوة الاجتماعية فرصة قوية لاستحضار الدولة دورها الرئيسي فى ضبط إيقاع المجتمع والحفاظ على هويته ومنع انحداره..
الفن يرتقى بالناس أو يهبط بهم.. غياب الدولة يسهم فى تعميق الانحدار ومساندة الفن المبتذل. الدولة الراقية.. فنها راق.. يسمو بمشاعر الشعب ويرقق الطباع ويشيع التسامح واللطف بين الناس .
احضرينا يا دولة.. وعودى إلى الفن واهتمى بالثقافة.. ليس فقط فيما تقيمينه من أوبرات ومبان بل فى المحتوى.. المحتوى.. المحتوى. الشعب يريد الفن الراقى..