مقابر فيس بوك.. كيف تعرف أنك مت!
وفقا للأرقام المدهشة التي أدلى بها خبير المعلومات الأمني اللواء "محمود الرشيدى" مساعد وزير الداخلية السابق لأمن المعلومات والإنترنت، فإن المصريين لديهم مائة مليون حساب على فيس بوك، ضمن أكثر من مليار منتسب لهذه الإمبراطورية الافتراضية الفضائية مترامية الأطراف.
ماذا يعني وجود ١٠٠ مليون صفحة إلكترونية مصرية؟ ببساطة شديدة يعنى أن هناك ١٠٠ مليون جريدة لا متناهية الصفحات، يفكر لها ويكتب فيها ويتحكم فيها رئيس تحرير واحد هو صاحب الأكونت. بالطبع لن نتطرق هنا إلى المرشد السرى والحاكم في الظلام، في مقار أجهزة المعلومات وشركات بيع البيانات وغيرها.
لماذا هذا الكلام المعروف تقريبا؟
لأن رئيس التحرير الورقي وغير الورقي بات يكافح سيولا من الأنباء المزورة، وفيضانات من الآراء الرشيدة نادرا والمختلة والمخبول أصحابها غالبا، فضلا عما يلقاه هؤلاء المهابيل والمخابيل من جمهور يستهويهم ما يبثونه من حقد أو زيف أو حب أو تحريض أو فسوق.
في الآونة الأخيرة، تبادل رؤساء التحرير المائة مليون في مصر خبر وفاة الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك. المتابع لآلية بث الخبر سيلاحظ أنه بدأ فجرا، ثم علا إيقاعه قرب صافرة النهاية في مباراة الجزائر والسنغال، وبعد فوز الجزائر، وتساقط الخبر على الصفحات كما يتساقط المطر بلا توقف.
ناس تأسفت لموته وناس حزنت وناس شمتت وناس شتمت.. ولم يحسم الأمر إلا نجله علاء مبارك بتغريدة قطع فيها بأن الوالد بخير. الواقعة في حد ذاتها ليست بالأهمية المباغتة، لأن الموت وارد لأي إنسان ووارد لكبار السن أكثر وأكثر، والرئيس مبارك تجاوز التسعين، وكم من مرات نُشر خبر كاذب عن وفاته، وهو مؤمن بالله وكلنا كذلك وندرك أن لكل أجل كتابا، لكن اللافت حقا هو حالة الولع الآخذة بالعقل الجمعي للمائة مليون رئيس تحرير في مصر.
طبعا فيهم العالم وفيهم الجاهل، فيهم السياسي وفيهم العادي، فيهم المتدين وفيهم الكافر، فيهم المؤيد وفيهم الرافض، فيهم الوطنى وفيهم العميل، فيهم الكاره وفيهم العاشق، فيهم المنتظر الوفاة، وفيهم من يستدعيها، فيهم الندابة والنداهة والمعددة واللاطمة والبارعة في شق الجيوب على الصدور. فيهم الناضج الراشد وفيهم الشاب المراهق.
هؤلاء كلهم تلبستهم حالتان غريبتان قبل ثلاثة أيام، الحالة الأولى حدثت لأول مرة جرى فيها سباق جماهيرى بين الأعمار كافة لاستدعاء سن الشيخوخة، فيما عرف بتطبيق Face App، وعرف كل واحد حالته وشكله حين يبلغ التسعين والثمانين والسبعين... وكان الأمر فكاهيا في جانب منه وسقيما مؤسفا في جانب آخر، لأنه ألقى في وجهك بعمرك الطاعن ووجهك المتغضن!
بالطبع الشركة الروسية حرصت على إضافة لمسات جمالية جذابة لوجوه عديدة.. السن الحقيقي لا يقدمها.. بل يقدم عمرك وشكلك المكتوب المقدور في كتاب الأعمار عند الله.
الحالة الثانية ستجد أفضل تمثيل لها في شائعة وفاة الرئيس الأسبق مبارك. ليست هذه هي أول مرة لمبارك ولا لغيره، فكم من فنانين قرأوا نعيهم بأعينهم، وكم من شخصيات دينية وسياسية عرفوا من الفيس أنهم ماتوا، وكلنا نذكر الخبر المزور عن وفاة نبيل الطب العربي دكتور "مجدي يعقوب".. وغيره وغيره..
لماذا هذا؟ لماذا نأخذ أعمار الناس كذبا قبل عزرائيل؟ أنريد إحراجه مثلا؟ هذا وهم طبعا. أنستبق عمر الرجل بارساله إلى الآخرة كنوع من الدفن المعنوى للقضاء على الشخصية؟ السؤال الأهم: ما نوع ناشر هذا اللون من أخبار الوفيات المزورة؟ ما هي أسس اختياره للشخصية التي يخطط لدفنها حية في مقابر الفضاء الإلكتروني الشاسع؟ ولماذا وما وجه الفائدة؟ هل هناك مرشد عام يخطط ويختار ويوجه ويقترح الشخصيات والتوقيتات؟ عشرات الأسئلة تحتاج إلى فحص وفحص.. فالموضوع متصل واليوم مبارك وغدا غيره.. إلخ. الحرية الكاملة فوضى كاملة وضد العقل!