رئيس التحرير
عصام كامل

من أخلاقكم سلطت عليكم أيامكم


لدى الناس جميعًا شعور مؤكد بأن الساعة التي كانت ٦٠ دقيقة تقلصت ٥٠٪؜، وأن اليوم قل بنسبة الثلث، والشهر اتعفرت والسنة تتبخر والعمر يركض نحو منتهاه.. لدينا كلنا هذا الإحساس بخروج البركة إلى غير رجعة، ولم يعد اليوم يكفي إلا لخناقتين ومشوارين، وعلامتى مرور ثقيلتين! من أخذ البركة من العمر ومن الرزق؟! من جعل يناير ٢٠١٧ ينتهي بين غمضة عين وانتباهتها، فإذًا نحن الآن في أيم احتضار هذه السنة العجيبة الغريبة، التي داهمتنى في الساعات الأولى منها بوفاة أخي نبيل يرحمه الله رحمة واسعة.


الله يعطى البركة في المال والعمر والصحة والوطن، والله هو أيضًا من ينزع البركات من كل هذه النعم.. لماذا نزعها الله منا وعنا، وأحل محلها الصرعة والفجعة والطمعة؟! لأننا توحشنا وافترينا ونكذب على الله ونحن نتحدث عن الصدق في القرآن ونذبح البريء باستغلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والقرآن والسنة أعلى وأسمى من أن يكونا مصدرين لتشريع القتل وسفك الدماء واستباحة الأعراض، ونهش خصوصيات الناس.. أتريد أن تعرف أخلاقنا المتردية وصلت إلى أي مدى في قاع السفالة؟ انظر إلى كتابات الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، فلقد تجردوا من الحياء، ومن العقل، مستترين خلف أسماء وهمية وصور وهمية ووجود إلكتروني، وهم يستخدمون أقبح الألفاظ، وأشدها عريًا وبذاءة، وهم يلصقون بالناس، الذين على خلاف معهم، الطين والتراب والقطران، يلوثون سيرتهم، ويحقرونهم على الملأ.

وفي الأسبوع الماضي وحده، تابعت الهرى الجديد لجرذان المجتمع الإلكتروني، فإذا به قد تركز على الفنانة شيرين رضا، التي وصموها ووصفوها بعدوة الأذان، وكلما تصفحت وجدت أناسًا كنت تحسبهم عقلاء فإذا هم قد انزلقوا إلى إدانة الفنانة، دون أن يشاهد أو يصغي لرأيها كاملا.. قالت إن أصوات بعض المؤذنين جعير! وماذا في هذا؟ إن أصوات هذا البعض منكر ومؤذ وقاس ومنفر، فما علاقة وصف صوت بأنه صوت جعير أو حمير والآذان نفسه؟ إن مكبرات الصوت تنطلق في غوغائية تحمل اصواتا محشرجة، وقبيحة، وتطارد طمأنينة الناس، ومن الحق تقييد مدي ارتفاع الأصوات، ويكفي أن تكون مسموعة، وأن يكون المؤذن حسن الصوت خاشعًا وقورًا، طيب الأثر نديًا.

لماذا اختار الشخص الذي سب وهاجم وشهر أن يفعل هذا؟! لماذا لم يستمع للكلام كله!؟ أم تراه استمع وتعمد تشويه القائلة والتشهير بها باعتبارها فنانة ضد رفع الأذان، لأنها في نظرة من فاجرات الفن؟!

ليس عجبًا أن يفعل ذلك إخوانجي أو سلفنجي أو ليبرانجي، فهم زاد السفالة العامة وموردوها منذ الخامس والعشرين من يناير الخراب قبل سبعة أعوام، لكن العجب المر فعلا أن رافعي رايات الفضيلة من الإرهابيين والانغلاقيين والعملاء ودعاة الفوضى من الاشتراكيين الثوريين، يقودون وراءهم نخبًا وأشباه نخب، وجمهورًا متوسط الثقافة لا يقرأ، وإن فعل لم يكمل، وإن أكمل استدرج إلى فخ وسموم.. هؤلاء ينقادون بلا تدبر ولا قراءة، فيضغطون على اللايك وعلى الشير وعلى الكومنت، وفي ثوان يصير المؤمن كافرًا، والكافر مؤمنًا والقواد إمامًا والأخير مديرًا لبنك بغاء، وهكذا وهكذا!

هل العيب في الوسيلة الإعلامية المليارية الجديدة؟ أم العيب في الرسالة؟ ومن كتب الرسالة؟ كتبها المجتمع، الذي يمر بسيولة وصهير، وتتحكم في زاوية رؤيته وعقله عناقيد منتظمة مدربة، تحترف الغوغائية بالصراخ والجعير والسب والمعايرة وإلصاق الاتهامات وضخ الشائعات، حتى يسقط الضحية منهارا مستسلما، رمزا وراء رمز!

من أجل هذا فرت البركة وطفشت من حياتنا، ومن أيامنا ومن أموالنا ومن صحتنا، لأننا للأسف لم نتعلم الدرس القاسي القاصم من ٢٥ يناير الخراب، الذي تغذى على التشويه والتشهير وسخر شرفاء كثيرين للثورة على بلدهم بالتحطيم والحرق والسرقات، لحساب العدو القطرى والتركي والإسرائيلي!

ساعات وتهل سنة ٢٠١٨ ولن نتوسل إليها أن تكون أفضل، بل سنتوسل إلينا نحن المصريين أن نكون مصريين طيبين هادئين قانعين راضين، لا ننطق العيبة، ولا نشمت ولا نشتم ولا نكيد للوطن! من أخلاقكم سلطت عليكم أيامكم.
الجريدة الرسمية