خواطر في القرآن (2)
توقفنا في المقال السابق في خواطري وتأملاتي حول القرآن الكريم عند قول الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه في فاتحة الكتاب.. إن الله جمع القرآن في فاتحة الكتاب، وجمع الفاتحة في البسملة، وجمع البسملة في حرف الباء، وجعل موطن السر في نقطة الباء في كلمة بسم .. وحديثنا اليوم يدور حول الشطر الأول من كلام الإمام وهو أن الله جمع القرآن في فاتحة الكتاب..
كيف هذا وما معنى ذلك.. القرآن يدور حول الألوهية والدلالات على وجود الله تعالى ووحدانيته والربوبية والعبودية، وسورة الفاتحة فيها إشارات جامعة للألوهية والربوبية والعبودية، ففي قول الله تعالى في الفاتحة، “الحمد لله رب العالمين” الإشارة للإلوهية، للإله الخالق المتفضل على العباد بنعمة الخلق والإيجاد والنعم والإمداد المستحق وحده للحمد، والإشارة إلى ربوبيته عز وجل.
أما “الرحمن الرحيم مالك يوم الدين” آيات جامعة لصفات الربوبية، فهو تعالى الرحمن الرحيم القيوم على العباد والمهيمن عليهم، والجامع والقاضي فيهم بما شاء، يوم الدين هو يوم القيامة والبعث والحساب.. ثم نأتي إلى قوله تعالى: “إياك نعبد وإياك نستعين” إلى آخر السورة، نجد الإشارات الواضحة الجلية للعبودية، وفيها الإقرار بربويته عز وجل من خلال دعائه وإظهار العوز والافتقار إليه سبحانه، وذلك بطلب الإمداد والإعانة منه سبحانه، إذ إنه هو تعالى وحده الذي يملك المدد والإمداد، والكل فقير مفتقر معوز إليه سبحانه..
اقرأ أيضا: تقوى الله عز وجل
هذا عن الشطر الأول من قول الإمام علي، وأما عن الشطر الثاني من قوله: “جمعت الفاتحة في البسملة” اى “بسم الله الرحمن الرحيم”، فالبسلمة هي الآية الجامعة للألوهية والربوبية، وفي فحواها خطابه تعالى لعباده وخلقه. إذا مجموع في البسملة الألوهية والربوبية والعبودية..
هذا وأما عن الشطر الأخير وهو قوله: “وجعل سر البسملة في نقطة الباء أول حروف البسملة” ولنشرح ذلك: سر القرآن كله في البسملة.. بسم الله الرحمن الرحيم.. وسر البسملة في الباء، ومكمن سر الباء في النقطة.. فما سر النقطة وما علاقتها بحقيقة الذات المحمدية.. الإجابة نجدها عند العارفين بالله أهل الاصطفاء والاجتباء والاختيار الإلهي، الذين أشرق سبحانه وتعالى على قلوبهم بأنوار المعارف، وخصهم بالعلوم اللدنية والأسرار الربانية والحقائق التي قد تحار فيها العقول والفهوم، فهي قاصرة على أهل القلوب التي استنارت بنوره عز وجل، وسمعت وأبصرت به سبحانه و تعالى..
ولقد أجمع أرباب القلوب وأهل المعرفة على أن النقطة التي تحت الباء وهي نقطة الباء الأولية، تشير إلى حقيقة الذات المحمدية النورانية. أي ذات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وحقيقته وأصله النوراني وهي أول المظاهر الخلقية في عالم الموجودات والخلق التي فتق الحق عز وجل بها رتق عالم الخلق والوجود، فهو النور السابق الذي انشقت منه الأسرار وانفلقت منه الأنوار، وفيه إرتقت الحقائق، وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق، وهو الذي تضائلت فيه الفهوم فلم يدركه من الخلق سابق أو لاحق ..
واقرأ أيضا: وصف حال المؤمن
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم وعلى آله أنه قال محدثا عن ذاته النورانية: “لا يعرف قدري إلا ربي”.. هذا ومن العارفين الذين أشاروا إلى نقطة الباء.. النور المحمدي، الإمام أحمد الرفاعي أحد أقطاب التصوف والعارفين بالله تعالى في صلاته على حضرته صلى الله عليه وسلم وعلى آله حيث قال: اللهم صل وسلم وبارك على نورك الأسبق وصرطك المحقق الذي أبرزته رحمة شاملة لوجودك وأكرمته بشهودك واصطفيته لنبوءتك ورسالتك، وأرسلته بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
نقطة مركز الباء الدائرة الأولية وسر أسرار الألف القطبانية الذي فتقت به رتق الوجود وخصصته بأشرف المقامات بمواهب الامتنان والمقام المحمود وأقسمت بحياته في كتابك المشهود لأهل الكشف والشهود. فهو سرك القديم الساري، وماء جوهر الجوهرية الجاري الذي أحييت به الموجودات من معادن وحيوان ونبات. قلب القلوب وروح الأرواح وعلم الكلمات الطيبات.القلم الأعلى والعرش المحيط.
روح جسد الكونين وبرزخ البحرين وثاني اثنين وفخر الكونين.. أبي القاسم. أبي الطيب سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا بقدر عظمة ذاتك في كل وقت وحين.. وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى..