تقوى الله عز وجل
وردت كلمة التقوى في القرآن الكريم ١٥٥ مرة، ووردت مادة التقوى ٢٥٨ مرة، منها ما جاء بصيغة الأمر، ومنها ما جاء ببحث المؤمنين عليها وبيان فضلها وخيرها وبركتها في الدنيا والآخرة، وما جاء بصيغة التحذير والتخويف لتركها، وما جاء بوصف حال أهل التقوى وما أعده الله تعالى لهم من الفضل والكرامة والتكريم لأهلها..
وفي تعريف معنى التقوى يقول الإمام "على بن أبي طالب" كرم الله وجهه هي: العمل بالتنزيل، أي العمل بما جاء في كتاب الله تعالى وسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله.. والخوف من الجليل سبحانه وتعالى، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، أي وفاة العبد ورحيله من الحياة الدنيا وانتقاله إلى عالم الآخرة..
وللتقوى مرادفات كثيرة منها، احتمى واشتد، اعتز، التجأ، امتنع، تحصن، تشدد في التوقي، هذا وللتقوى معانٍ كثيرة منها الخشية من الله تعالى والزهد في الدنيا وفيما سوى الله عز وجل، والتبتل والتضرع إلى الله تعالى.. والمخافة منه سبحانه وتعالى، والورع في القول والعمل وتحري الحلال من الدنيا، وعبادة الله تعالى والاستقامة على منهجه وشريعته..
هذا وقد جعل الله سبحانه وتعالى تقواه مفتاحا لخزائن فضله ومنحه وعطاياه وولايته فهي المفتاح الجامع للفضل والخيرات والفاتح لباب الوصول إلى ولاية الله تعالى، يقول سبحانه: "أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"
هذا وقد جعل الله سبحانه وتعالى كتابه الكريم وشرعه الحكيم مصدرا للهداية ولتقواه عز وجل يقول سبحانه: "ألم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ"..
هذا وقد جعل سبحانه وتعالى أيضا التقوى سببا للسلامة والنجاة من الهموم والمحن والكروب ومآسي الحياة والابتلاءات فيها، ومفتاحا وسببا لوسعة الرزق وفتح أبوابه. يقول تبارك في علاه: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ"..
هذا وقد جعل الله سبحانه وتعالى تقواه مفتاحا لخزائن العلوم بما في ذلك العلوم اللدنية الموهوبة التي يمنحها عز وجل لعباده الأصفياء الأنقياء، ويخصهم بها إلهاما من لدنه سبحانه، يقول تعالى: "وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ". هذا وقد جعل سبحانه وتعالى البر والإحسان في تقواه.. وفي وصف جامع لأحوال أهل الصدق والتقوى يقول تعالى: "لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ.
هذا وقد أعد الله تعالى لعباده المتقين في الآخرة جنات ونعيم دائم ومقيم في عالم الخلد والديمومية.. يقول سبحانه: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"
ويقول عز وجل: "إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا".. هذا وقد أشار سبحانه وتعالى إلى أهل التقوى بأنهم أهل الإحسان. فقال عز من قائل: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ ﴿٤١﴾ وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ ﴿٤٢﴾ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٤٣﴾ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ"، عزيزي القارئ.. وفقنا الله تعالى لما يحبه ويرضاه وجعلنا من أهل طاعته وتقواه.