رئيس التحرير
عصام كامل

شملت مصر.. قصة صحفية كشفت فسادا عابر للقارات وتفرق دمها بين الحيتان

دافني كاروانا غاليزيا
دافني كاروانا غاليزيا

عقب يوم من استقالة رئيس حكومة مالطا، على خلفية التحقيقات الجارية في مقتل الصحفية الاستقصائية، دافني كاروانا جاليزيا، اعتقلت السلطات المالطية "كيث شمبرى" رئيس ديوان رئيس الوزراء، حيث يخضع للاستجواب في إطار ذات التحقيق.


وأشارت مصادر بالشرطة، حسبما ذكرت شبكة " يورو نيوز" الأوروبية اليوم الأربعاء، إلى أن شمبري الذي يعد صديقًا مقربًا من رئيس وزراء مالطا جوزيف موسكات، قد قدم استقالته من منصبه أمس الثلاثاء، فيما لم تعلن الشرطة رسميًا سبب اعتقاله أو ما إذا كان مشتبهًا به في القضية التي هزت مالطا وأدت إلى ظهور تجديد دعوات من سياسيي المعارضة باستقالة موسكات.

كشفت مافيا تهريب النفط بليبيا.. معلومات خطيرة عن اغتيال صحفية مالطية في 2017

كما ألقت الشرطة المالطية القبض على رجل أعمال مالطي بارز يوم الأربعاء الماضي، على خلفية علاقته باغتيال مراسلة التحقيقات دافني كاروانا جاليزيا، أعاد إلى الواجهة مشكلة تهريب النفط الليبي.

بحسب وسائل الإعلام الليبية، كان من بين القضايا التي كشفتها الصحفية، بعض الأسماء والشخصيات، منها ليبية "من غرب البلاد" التي يثبت تورطها بتهريب النفط الليبي بطريقة غير مشروعة خارج البلاد، عن طريق إيطاليا ومالطا، وبعملية الاغتيال، تم الإغلاق على جانب من القضية، أو من المعلومات التي كانت بحوزتها

كانت دافني كاروانا جاليزيا، 53 عاما، واحدة من أشهر الصحفيين في مالطا، لقد كشفت أعمالها الأكثر شهرة عن الفساد السياسي والمالي الذي شاهدته في كل مكان في بلادها؛ لذلك كانت تحظى باحترام من قرائها وتثير غضب الفاسدين.

6 معلومات عن الصحفية دافني جاليزيا ضحية الاغتيال بسبب «وثائق بنما»

وظهر يوم 16 أكتوبر 2017، اغتيلت كاروانا جاليزيا في سيارة مفخخة كانت تقودها بالقرب من منزلها في بيدنيا عندما انفجرت عبوة ناسفة تحت مقعد القيادة، وكان الانفجار قويًا لدرجة أنه تم العثور على أجزاء متناثرة من السيارة بأماكن متعددة؛ كما عثر ابنها ماثيو على بقايا جثة كاروانا على بعد 80 مترا من مكان الانفجار، وكانت والدته رابع شخص في مالطا يُقتل في سيارة مفخخة منذ بداية عام 2016.

عملت كاروانا جاليزيا كصحافية لمدة 30 عامًا، بدأت حياتها المهنية في عام 1987، وكانت تعمل كمراسلة صحفية لصحيفة صنداي تايمز في مالطا، وفي عام 1992، أصبحت محررة مشاركة في صحيفة مالطا المستقلة التي كتبت فيها مقالات عامود حتى وفاتها، ومع ذلك، كانت مدونة كاروانا جاليزيا "بث مباشر" من أشهر أعمالها والتي أسستها في عام 2008، وكانت تحتوي على تحقيقات استقصائية وتعليقات صارمة.

لقد سقط العديد من أقوى الشخصيات في مالطا على خلفية مقتل كاروانا جاليزيا التي قامت بكشف سجلاتهم الماضية والحالية، وفي بعض الأحيان فسادهم.

وعندما كانت تعتقد أن شخصا ما فاسدا، تكتب ولا تلتزم الصمت وشملت أهدافها رئيس وزراء مالطة، وزعيم المعارضة، ومختلف الأعضاء الآخرين في الأحزاب السياسية الرئيسية. ونتيجة لذلك، أصبحت مدونتها واحدة من أكثر المواقع شعبية في مالطا، فقد اجتذبت بانتظام أكثر من 400،000 زيادة يوميا – أكثر من توزيع الصحف جميعها في البلاد.

جرأة كتابتها خلقت لها الكثير من الأعداء وكانت ضحية تهديدات متكررة بالقتل، وتواجه ادعاءات بشكل منتظم في قضايا التشهير.

وعند وفاتها كانت تمثل أمام 42 قضية تشهير وقذف ضدها؛ وتم تقديم العديد من تلك القضايا من قبل كبار السياسيين.

وفي شهر فبراير 2017، تحدثت كاروانا جاليزيا مع المعهد الدولي للصحافة عن إساءة استخدام قوانين القذف من قبل الأشخاص الأقوياء في مالطا: "يجب إلغاء قوانين التشهير الجنائي".

واضافت: ببساطة لا يمكن أن يستخدم السياسيون الشرطة لمقاضاة الصحفيين الذين يكتبون عنهم. إن القانون الذي كان يهدف إلى حماية الأبرياء من الافتراء يتم التعامل معه بصورة خاطئة من قبل الأقوياء ضد من يعارضونهم.

كثيرا ما أثيرت المخاوف بشأن الفساد المالي والسياسي في مالطة، إن حزبيها السياسيين الرئيسيين – القومي والعمل – لهما علاقات وثيقة بالعائلات القوية في الجزيرة، كما أن الخطوط الفاصلة بين السياسة والأعمال التجارية والقضاء غير واضحة في بعض الأحيان.

رسالة نجل الصحفية المالطية المشاركة بوثائق بنما بعد اغتيال والدته

إضافة إلى أن الاقتصاد يعتمد بشكل كبير على الخدمات المالية، وصناعة التهرب من الضرائب والمقامرة عبر الإنترنت وبإمكانات ضخمة للفساد. لقد كتبت كاروانا جاليزيا في آخر مشاركة على مدونتها قبل وفاتها: "هناك محتالين في كل مكان تنظرون إليه الآن. الوضع بائس".

كما ركزت معظم أعمالها خلال السنتين الأخيرتين من حياتها على الكشف عن الأنشطة المالية المشبوهة التي قدمتها وثائق بنما السيئة السمعة -11.5 مليون وثيقة مسربة تشرح بالتفصيل الكيانات التي تتهرب من الضرائب- كما كشفت أن رئيس هيئة الأركان لرئيس الوزراء كان مالكا لشركات بحرية سرية، وكتبت أن زوجة رئيس الوزراء تلقت مليون دولار أمريكي تم دفعها إلى شركة في الخارج من قبل ابنة رئيس أذربيجان.

وتضمنت الشخصيات والقضايا في قائمة الصفقات المشبوهة التي ضمتها «وثائق بنما»، حسب موقع الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية، علاء مبارك، نجل الرئيس الأسبق حسني مبارك، كانت لديه شركة وهمية في جزر العذراء البريطانية تحت اسم Pan World Investment، وقد قام ببعض الإجراءات التنظيمية التي تخص شركته بين عامي 2012 و2013؛ إذ تعرضت شركته لسلسلة من الغرامات لخرق القوانين الخاصة بمكافحة غسيل الأموال، وطالبت جزر العذراء البريطانية شركة «موساك فونسيكا» بإغلاقها.

طلب إحاطة حول وثائق بنما وعلاقة أحمد عز بتهريب الأموال للخارج

«ومن المستفيدين من الشركات المؤسسة في الملاذات الضريبية رجل الأعمال حسين سالم المعروف بقربه من الرئيس الأسبق مبارك، فقد امتلك سالم حصة في شركة غاز شرق المتوسط- التي كانت مسئولة عن تصدير الغاز لإسرائيل والأردن وإسبانيا- عن طريق شركة أخرى مسجلة في جزر العذراء البريطانية Mediterranean Gas Pipeline المملوكة لشركة أخرى مسجلة في بنما Clelia Assets Corp. والشركة الأخيرة كانت تمتلك حصصا في ١٨ شركة مصرية عن طريق صندوق استثمار مسجل في جزر الكايمان تحت اسم Egypt Fund بحصة تقدر بـ ٣ ملايين دولار، ويشارك عائلة سالم في هذا الصندوق الاستثماري السري أحمد عز بشخصه وجمال وعلاء مبارك من خلال صندوق آخر مسجل في ملاذ ضريبي آخر وهو جزر العذراء البريطانية وتدعى Panworld Investments، طبقا لوثيقة صادرة من مكتب مساعد وزير العدل لشئون الكسب غير المشروع ».

«وثائق بنما».. القصة الكاملة لسرقة 7.6 تريليون دولار

أثار مقتل الصحفية المحاربة للفساد غضب وطني ودولي وأصدر الاتحاد الأوروبي والمنظمات الغير حكومية ووسائل الإعلام بيانات علنية تدعو إلى إجراء تحقيق شامل ومستقل.

وخرج الآلاف من الناس إلى شوارع العاصمة المالطية فاليتا، للمطالبة بتحقيق العدالة لكاروانا غاليزيا؛ وحملوا لافتات كتب عليها "لن يتم اسكات الصحفيين" و"نحن لسنا خائفين".

صحف إيطالية: ميليشيات ليبية تقف وراء اغتيال الصحفية المالطية

رأى الكثيرون صلة مباشرة بين عمل كاروانا جاليزيا ومقتلها. وكان من بينهم ابنها، ماثيو، الذي كتب على "فيس بوك" بعد يوم واحد من وفاتها: "تم اغتيال والدتي لأنها كانت واقفة بين سيادة القانون والذين يسعون إلى انتهاكه، مثل العديد من الصحفيين القويين. لكنها استهدفت أيضا لأنها الشخص الوحيد الذي فعل ذلك. هذا ما يحدث عندما تكون مؤسسات الدولة عاجزة: آخر شخص يقف أمام ذلك هو الصحفي. مما جعلها أول شخص يُقتل …. لقد سمحت الحكومة في مالطة بازدهار ثقافة الإفلات من العقاب".

الجريدة الرسمية