رئيس التحرير
عصام كامل

«وثائق بنما».. القصة الكاملة لسرقة 7.6 تريليون دولار

فيتو

أربكت عاصفة "وثائق بنما" دول العالم بعد الكشف عن أضخم ملف فساد مالي طال أكثر من 70 قائدا وسياسيا، بالإضافة إلى مشاهير في جميع المجالات الرياضية والفنية وغيرها.


ويمثل تسريب نحو 11.5 مليون ملف يكشف كيف تخفي «الأموال القذرة» عبر جزيرة بنما، المشهورة بكونها إحدى «الملاذات الضريبية»، كشفا هائلا لثروات العالم المنهوبة داخل دائرة مغلقة تمارس المسموح والممنوع في عالم الاقتصاد المتمع بحماية سياسية.

وبالرغم من الكشف الهائل عن أرقام مالية مدفونة في جزر خفية، هناك من يشكك في صحتها والبعض الآخر يراها واقعا في ظل جيل من الحكام تميز بالدكتاتوية وينتهج نهب أموال الشعب كغنيمة مستباحة.. بعيدا عن المؤيد والرافض تبقي شريحة أخرى تعوق لغة الأرقام فهمها للوقائع كاملة.. وتضع "فيتو" خلال هذا التقرير 7 نقاط يجب معرفتها للاطلاع على ملف الأزمة الذي أربك العالم.




1- وثائق بنما 

وثائق بنما.. هي إحدى كبرى عمليات تسريب الوثائق للصحافة في التاريخ؛ إذ سلم مصدر مجهول 11.5 مليون ملف سري من سجلات شركة «موساك فونسيكا» ومقرها بنما، التي قدمت خدمات لـ72 من قادة دول العالم الحاليين والسابقين (بعضهم قامت ضده ثورات واحتجاجات) تهدف في النهاية إلى إخفاء أموالهم عن أعين الضرائب والرقابة، وإلى عدم إثارة الكثير من الأسئلة عن مصادرها، وشرعية الحصول عليها.

تضم الوثائق مراسلات بريدية، وحسابات بنكية، وسجلات عملاء يرجع تاريخها إلى 40 عامًا، خاصة بعملاء الشركة الذين لم يقتصروا على الديكتاتوريين المعروفين في العالم، ممن قامت ضدهم ثورات الربيع العربي على غرار حسني مبارك، أو عُرفوا بصلاتهم بقضايا فساد وتهريب أموال، بل ضمت القائمة 140 سياسيا، وأفراد عائلاتهم، وشركائهم، ومسئولين حكوميين في أفريقيا، وآسيا، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية.

عملية التسريب قادها المصدر المجهول إلى الصحيفة الألمانية «زود دويتشه تسايتونج» منذ عامٍ تقريبًا؛ فقرَّرت الصحيفة مشاركتها مع الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية (ICIJ) ونحو 400 صحفي عالمي من 107 مؤسسات صحفية في 78 دولةً لتحليل هذا الكم الهائل من البيانات التي جاءت في 2.62 تيرابايت (ألف جيجابايت) من البيانات.


2- شركة «موساك فونسيكا»

«موساك فونسيكا»، كما تصفها صحيفة «الجارديان» البريطانية، هي واحدة من أكبر أربع شركات على مستوى العالم في مجال «الخدمات القانونية» ومقرها جزيرة بنما، تُمارس عملها بصورةٍ حصريةٍ تقريبًا مع زبائنها من الشخصيات الدولية، أو رجال الأعمال، أو السياسيين وقادة الدول، لإدارة أموالٍ وأصولٍ بالمليارات عبر تحويلها إلى عدة محطات في شبكةٍ من الشركات الخارجية (خارج إطار قوانين دولهم) بأسماء غير أسماء مُلَّاكها الحقيقيين (سنتحدَّث عن هذا بعد قليل)، تُقدَّر بأكثر من 214 ألف شركة، قبل أن تعود إلى المصدر بصورةٍ يصعب تعقُّبها، وتحديد المستفيد النهائي منها.

تأسست «موساك فونسيكا» بجهود مشتركة بين المحامي الألماني المولد «جوردجان موساك»، والمحامي البنمي «رامون فونيسكا»، الذي أنهى عمله مستشارًا لرئيس بنما «خوان كارلوس فاريلا»، قبل شهر.

3- جزيرة بنما 

لماذا يتجه الفاسدون إلى «موساك فونسيكا» و«بنما»، تلك الجزيرة الصغيرة لإخفاء أموالهم؟

ستسمع كثيرا في الأيام القادمة مصطلحين هما: «الملاذ الضريبي»، و«الشركات الوهمية» وهما بالضبط ما يجيب على سؤالك. تُدار عمليات غسيل الأموال المذكورة في وثائق بنما، عبر شبكة من الشركات الوهمية المتصلة بها في دولٍ تُعد ملاذات ضريبية.

في العالم دول ومقاطعات معروفة بكونها «ملاذات ضريبية»، تنشط فيها عمليات غسيل الأموال، وإخفاء الثروات والمستفيدين منها؛ فيكون من السهل فيها إنشاء شركات وحسابات بنكية وهمية تساعد في التهرُّب من الضرائب والرقابة على التربُّح من الوظائف الرسمية أو العلاقات بالسياسيين والشخصيات الدولية.

بنما من بين هذه الملاذات، ومنها أدارت «موساك فونسيكا» شبكة شركاتها الوهمية في دولٍ أخرى، هي نفسها «ملاذات ضريبية»، مثل سويسرا، وقبرص، والجزر البريطانية، والجزر الكاريبية.

ويقوم عمل الشركة على إدارة الأموال التي تصلها وتحويلها من مصدرٍ إلى آخر، مع إخفاء هوية مالكي الأموال الفعليين وتسجيل كافة الأوراق والمراسلات بأسماء القائمين على إدارة الشركة. أين ستحب أن تنشئ شركة وهمية إذا قرَّرت ذلك؟ بالتأكيد في دولٍ لا تبذل السلطات فيها جهودًا كبيرةً في الرقابة والتحقُّق من هوية مالكي الشركات، وأعمالها، والمستفيدين من أموالها.

يمكنك الضغط على هذه الخريطة التفاعلية لمعرفة عدد الشركات في كل دولة، وعدد المستفيدين منها بحسب «وثائق بنما».


4- المتورطون

السؤال الأكثر سخونةً هنا (وربَّما الأكثر رعبًا)، والذي ما تزال التقارير الصحفية وخيوط المعلومات تتشابك لكشف المزيد عنه، هو عن هوية المتورطين في عمليات تهريب الأموال وغسيلها في بنما، الملاذ الآمن للفساد والتهرُّب من الضرائب.

أهم الشخصيات والقضايا في قائمة الصفقات المشبوهة التي ضمتها «وثائق بنما»، حسب موقع الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية، من بين هذه الشخصيات علاء مبارك، نجل الرئيس الأسبق حسني مبارك، كانت لديه شركة وهمية في جزر العذراء البريطانية تحت اسم Pan World Investment، وقد قام ببعض الإجراءات التنظيمية التي تخص شركته بين عامي 2012 و2013؛ إذ تعرضت شركته لسلسلة من الغرامات لخرق القوانين الخاصة بمكافحة غسيل الأموال، وطالبت جزر العذراء البريطانية شركة «موساك فونسيكا» بإغلاقها.

«ومن المستفيدين من الشركات المؤسسة في الملاذات الضريبية رجل الأعمال حسين سالم المعروف بقربه من الرئيس الأسبق مبارك، فقد امتلك سالم حصة في شركة غاز شرق المتوسط- التي كانت مسئولة عن تصدير الغاز لإسرائيل والأردن وإسبانيا- عن طريق شركة أخرى مسجلة في جزر العذراء البريطانية Mediterranean Gas Pipeline المملوكة لشركة أخرى مسجلة في بنما Clelia Assets Corp. والشركة الأخيرة كانت تمتلك حصصا في ١٨ شركة مصرية عن طريق صندوق استثمار مسجل في جزر الكايمان تحت اسم Egypt Fund بحصة تقدر بـ ٣ ملايين دولار، ويشارك عائلة سالم في هذا الصندوق الاستثماري السري أحمد عز بشخصه وجمال وعلاء مبارك من خلال صندوق آخر مسجل في ملاذ ضريبي آخر وهو جزر العذراء البريطانية وتدعى Panworld Investments، طبقا لوثيقة صادرة من مكتب مساعد وزير العدل لشئون الكسب غير المشروع ».

إياد علاوي، الثري ورئيس الوزراء السابق الذي عاد من المنفى في عام 2004 بعد إطاحة صدام حسين، ساعدته «موساك فونسيكا» بين عامي 1985 و2013، في تشغيل شركته المسجلة في بنما (IMF Holdings)، وتأكَّدت إدارته لأصوله وعقاراته (الكثير منها في إنجلترا) عبر عدة شركات خارجية مجهولة.

5. حجم الأموال 

جاءت المحاولة الأدق لتقدير حجم الأموال في هذه «الملاذات الضريبية» في كتاب «ثروة الأمم المخفية» لأستاذ الاقتصاد في جامعة UC Berkeley الأمريكية «جابرييل زاكمان»، وقدَّر فيه إجمالي الأموال في تلك الملاذات بـ7.6 تريليون دولار أمريكي.

وأظهر بحثٌ قدَّمته مجموعة «النزاهة المالية العالمية» أن تهريب الأموال إلى الخارج قد كلَّف الدول النامية 7.8 تريليون (ألف مليار) دولار أمريكي بين عامي 2004 و2013 فحسب.

بحسب البحث، لم تنجُ أية دولة عربية من تهريب الأموال إلى الخارج بطرق غير شرعية (كما يظهر في الخريطة الواردة في البحث)؛ فهُرِّب أثناء تلك المدة من مصر نحو 40 مليار دولار، ومن العراق 105 مليارات دولار، ومن السعودية 29 مليار دولار، ومن سوريا 48 مليار دولار. 

وتحدث الكثيرون في الدول العربية، بعد ثورات «الربيع العربي» عن «الأموال المنهوبة» وإمكانية استعادتها من الخارج بعد ظهور صلات تربط الحكام السابقين، وعائلاتهم، ومعارفهم، بأنشطة غسيل أموال وتهريبها، لكن دون جدوى حقيقية في كثير من الأحيان بعد ضياع الأمر بين «لجان تقصي الحقائق» و«جهود الحكومة للتعاون مع السلطات الأجنبية لاسترداد الأموال»؛ فهل تكون «وثائق بنما» أمرًا مختلفًا يستدعي التحرك الحقيقي. 

الجريدة الرسمية