رئيس التحرير
عصام كامل

براءة «خالد عبد العال»


في زمن مبارك اختاروا محافظًا للفيوم عن طريق الخطأ.. كان المطلوب واحدًا غير الذي اختاروه.. تشابه أسماء.. يوم حلف اليمين نظر السياسي الكبير الراحل كمال الشاذلي إلى بعض معاونيه وقال لهم: من هذا؟.. قالوا: فلان.. قال: "الله يخرب بيتكم ليس هذا هو المقصود"، ولأنني من أبناء الفيوم فقد التقيت بمحافظ الصدفة وعندما هممت لإجراء حوار معه فوجئت بالرجل يجلس متربعًا على كرسيه في مشهد مثير للغاية.


تظاهرت بأن الأمر عادي وبدأت في طرح أسئلتي، وبينما كان الرجل منهمكًا في الإجابة عن الأسئلة دون معلومة واحدة توحد الله؛ فوجئت به يضرب بيديه على فخذيه قائلا بصوت عالٍ: "والله وبقيت محافظ يا فلان" مرددًا اسمه.. خرجت من اللقاء وأنا أتذكر الدكتور عبد الرحيم شحاتة أفضل من رأيته يدير محافظات الفيوم والقاهرة والجيزة، ومن بعدها وزارة التنمية المحلية، وعندما سألني زملائي عن انطباعاتي عن المحافظ قلت: كان الله معه.

نعم دعوت للرجل الذي ظلمته الصدفة وأصبح محافظًا رغمًا عنه ونظنه يستحق الدعاء لأنه أدخل إلى اختبار هو لم يكن أهلا له.. المشكلة لم تكن في المحافظ الذي جاء بالصدفة، فهل يرفض إنسان موقعًا مرموقًا يضاف إلى سجله وسجل عائلته، وهو الذي كان يرى أن الله منحه هذا الموقع مكافأة له دون أن يسأل نفسه مكافأة على ماذا؟

الأمر يتكرر كثيرًا بعيدا عن تشابه الأسماء.

الذين يختارون هم السبب الحقيقي وهم أيضًا من اختاروا رجل المباحث الماهر خالد عبد العال.. نعم كان خالد عبد العال ضابطَ شرطةٍ منضبطًا، ولديه ملكات وقدرات أوصلته إلى أعلى المراتب في جهاز الشرطة، وليس ذنبه أن هناك محاصصة في اختيار الوزراء والمحافظين.. عدد من الشرطة وعدد من القضاة وعدد من أساتذة الجامعات وهكذا يتم الاختيار وفق حصص موزعة على فئات بعينها ليس من بينها فئة "الشعبويين" أو الساسة، خاصة أن رحم الأحزاب عقر ولم يخطط لأن يكون منبعًا لصناعة محافظين ووزراء وقادة ميدانيين.

مشكلة "خالد عبد العال" أنه كان رجلًا ناجحًا في ضبط اللصوص والقتلة وفرض حالة من الأمن على الموقع الذي يشغله وهي مهمة تحتاج إلى مهارات بعينها تختلف اختلافًا كليًّا عن موقع المحافظ الذي يجب أن يكون رئيس جمهورية في محافظته، أضف إلى ذلك أن منصب المحافظ نفسه في بلادنا هو أسوأ موقع من الممكن أن يشغله قيادي كما قال من قبل اللواء أحمد زكي عابدين عندما كان محافظًا لكفر الشيخ.

وقضية "خالد عبد العال" محافظ القاهرة الذي سأله الرئيس عدة أسئلة من خارج المقرر عن محافظته لم تكن لديه إجابة أو رد أو معلومة لا تكمن فيه هو؛ فلو أن الرئيس سأله عن أية معلومة أمنية لاستطاع الرجل الإجابة عنها بمزيد من الاستفاضة والقدرة.. مشكلة "عبد العال" أنه لا يزال رئيسًا لمباحث القاهرة وليس محافظًا وهو لم يختر نفسه أو ينصب نفسه بل إن من يتخذون القرار هم من اختاروه دون أن يسألوا أنفسهم هل يصلح الرجل لهذا المنصب؟

قد أكون صحفيًّا ماهرًا غير أن هذا لا يعطي الحق للسيد المهندس رئيس السكة الحديد أن يصدر قرارًا بتعييني "سواق قطْر"، بحجة أن كتاباتي أعجبته.. في هذه الحالة سيكون مصير الركاب والقطار والقضبان إلى الجحيم، وربما أقفز أنا قبل الصدام منقذًا نفسي.. كل محافظ غير مؤهل لمنصبه وكل وزير غير كفء في موقعه هو سائق قطار غير مؤهل والقطار هنا هو الوطن ولا وطن بهذه الطريقة لن يكون نصيبه أقل من القطار الذي سيتحطم على القضبان!!

الكفاءة هي بيت القصيد والمكان المناسب لا بد وأن يحظى بالرجل المناسب.. من منا لم يكن متعاطفًا ومعجبًا بشخصية الشيخ حسني التي جسدها الراحل العظيم محمود عبد العزيز في فيلم الكيت كات.. تعاطف معه صاحب السكوتر فكان ما كان.. الشيخ حسني لا يجب أن يكون سائق ميكروباص و"خالد عبد العال" وكل خالد عبد العال لا يجب أن يكون سائقًا في ركاب الوطن.. إنها آفة الاختيار التي دمرت دولًا لم تكن بحاجة إلى إعداد أو جيوش لتدميرها.. سوء الاختيار أخطر على الأوطان من جيوش الأعداء!!
الجريدة الرسمية