بطاقة التموين.. لعبة المنح والمنع
الدكتور علي مصيلحي وزير التموين، واحد من الوزراء المخضرمين، وهو واحد من حفظة الأرقام ولديه ذاكرة فولاذية قادرة على استيعاب واحتواء أرقام ميزانية مصر بـ"السحتوت"؛ ومع ذلك فإن وزارته تمارس مع المواطنين الذين لا حول لهم ولا قوة، القابضين على رغيف وزارته كالقابض على الجمر، لعبة القط والفأر؛ ففي كل شهر أو شهرين يفاجئ عدد من الغلابة أنهم محذوفون من بطاقات التموين.
بالطبع يلهث المواطن جريًا وراء لقمة يسد بها جوعه، فيتجه إلى وزارة الدكتور علي مصيلحي.. يدور المواطن ويلف بين دهاليز الوزارة العتيقة لشهور، حتى يتمكن من إعادة وضع نفسه وأسرته مرة أخرى.. بعض المواطنين الصالحين يجدون أن عدد أفراد أسرتهم بالبطاقة أكثر من عددها الفعلي.. "تنقح" عليهم ضمائرهم فيتجهون إلى الوزارة لشطب الزيادة فتكون العقوبة هي وقف التموين كله لعدة شهور.. سرت هذه المعلومات بين الناس فبدأوا يخشون من "تشغيل ضمائرهم فيتركون الأمر على ما هو عليه، خشية توقف صرف التموين كله لعدة شهور فيصبحون على ما فعلوا نادمين".
وقضية رغيف العيش بالنسبة إلى أسر كثيرة تصل إلى الملايين هي قضية حياة أو موت، إذ يصبح التنوع الغذائي ضربًا من الخيال؛ فاللحوم صورة ذهنية خيالية، والدجاج حلم صعب المنال، والخضار رفاهية جعلت من البطاطس درة التاج وقلعة حصينة مدججة بجنون الأسعار.. إذن أمر الرغيف هو حياة أو موت لا ينبغي لنا أن نلعب به أو نتلاعب بأصحابه المحرومين من كل شيء، إلا الرغيف باعتباره ملاذهم الوحيد.
أما من قالوا إن المصريين يأكلون خبزًا أكثر من شعوب الأرض قاطبة؛ فإنهم يسيئون إلى الدولة لا إلى المصريين؛ فالشعب الذي ليس له طعام إلا الدقيق ليس هو المشكلة، إنما المشكلة في ارتفاع أسعار السلع الغذائية، الأمر الذي يجعل المواطن غير قادر على سد حاجته الغذائية إلا بالخبز والعجين، أيا كان شكله أو لونه أو طعمه، ومن أراد أن يعرف الحقيقة كاملة؛ فليُراقب كيف يكون انتظار الحصة اليومية من الخبز أمام المخابز.
نظرة واحدة أمام المخابز سيدرك المرء أننا أمام حالة استمساك بالحياة قبل الوصول إلى حالة الموت جوعا.. الناس في بر مصر بحاجة إلى استقرار رغيف الخبز، ويجب على الوزير والسادة معاونيه أن يدركوا أن اللعب في هذه المنطقة أمر يرتبط بالأمن القومي؛ فالجائعُ المهدد انفجاره أقرب من انتحاره أو انتظاره للموت بلا ثمن، وأظن أن الدكتور علي مصيلحي يعرف ذلك باعتباره واحدًا من الوزراء السياسيين، أو الذين مارسوا السياسة تجولًا بين الناس، ويعرف كيف تسير الأمور في قريته والقرى المجاورة وغير المجاورة.