رئيس التحرير
عصام كامل

تأصيل التحرش


سخرت قيادية فى حزب «الحرية والعدالة» المصري، من الاتهامات الموجهة إلى حزبها وإلى جماعة «الإخوان المسلمين» بالتحريض على التحرش بالنساء والشابات المشاركات فى التظاهرات المناهضة للرئيس محمد مرسي.


وإذ اعتبرت عزة الجرف، النائب فى مجلس الشعب المنحل، أن من يصدر هذه الاتهامات «إنسان مختل عقلياً»، طالبت الجهات الداعية إلى التظاهرات بتأمين الحماية للمشاركات فيها، على غرار ما يفعل أعضاء التيارات الدينية فى المليونيات التى ينظمونها.

ننحى هنا الإعفاء الضمنى فى كلام الجرف لأجهزة السلطة من دورها فى توفير الأمن للمواطنين، خصوصاً فى أمكنة وأزمنة الحشود الضخمة التى يزداد فيها الاحتكاك بين البشر. فالفهم الذى يحرك النائب السابقة هو الدفاع عن حزبها وجماعتها. بيد أن المدعو «أبو إسلام» كان أصرح فى برنامجه التليفزيونى بتحميله النساء مسئولية التحرش بهن لنزولهن «سافرات عاريات» إلى الميادين، والأهم أن «تسعين فى المئة منهن من الصليبيات والأرامل» اللواتى لم يجدن «من يلمهن». والأنكى، فى نظر «الداعية»، أن من تعرضن للتحرش، لم يكنّ يمثلن «الأنوثة»، فى ما بدا كأسف منه على ضياع جهود المتحرشين على من لا يستحققن هذه النعمة.

وفى مقطع فيديو آخر يجرى تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، يأسف «الشيخ» وجدى غنيم على غياب الأنوثة أيضاً عند المطالبات بالمساواة بين الرجال والنساء، فيما يسخر من نعومة المؤيدين الذكور للمساواة بين الجنسين.

تركيب هذه المواقف والعشرات مما يشبهها ضمن نسق من الخطاب الاجتماعى السياسى يفيد بما يلي: أن الإسلاميين لا يمارسون التحرش فى الميدان أثناء التظاهرات (الجرف) رغم أن ضحاياه من «الصليبيات» «السافرات العاريات» اللواتى يستدعين التحرش بهن («أبو إسلام») بل إنهن ينلن ما يسعين إليه، خصوصاً وأنهن يكسرن أطر الأنوثة والذكورة التى لا يجوز المس بها (غنيم). والمشكلة من وجهة النظر هذه ليست فى انتهاك حرمة وقانون، بل فى وجود النساء أثناء التظاهرات، أى فى ممارستهن حقهن كمواطنات فى التعبير عن آرائهن السياسية، كباقى خلق الله.

وباستثناء استخدام نائب «الحرية والعدالة» بعض العبارات العامة، من صنف أن «الإسلام أكرم المرأة وأعطاها حقها»، لم يجد «أبو إسلام» وغنيم ما يتطلب استشهادهما بآيات أو أحاديث نبوية أو «تأصيل» آرائهما بالرجوع إلى الأدبيات التى يدّعون أنها مرجعيتهما الفقهية والاخلاقية، واكتفيا باستخدام شتائم وإهانات فى وصف المعتدى عليهن ومن يناصرهن، بعضها مستل من قواميس السوقة والرعاع، ورجعا إلى نفسيهما فى رسم مواقفهما بما يليق بأحط تقاليد الخطاب الذكورى العدواني.

ينبغى هنا الالتفات إلى مسألة مهمة، خلاصتها أن الناشطات اللواتى تعرضن للاعتداءات المشينة أثناء إحياء الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، وأثناء غيرها من التجمعات، وجّهن الاتهام أولاً إلى مجموعات تحركها وتحميها أجهزة الأمن التى تمتنع عن أداء مهماتها أثناء المليونيات، قبل الحديث عن أدوار أعضاء التيارات الدينية فى التحريض على هذه الممارسات. والتحالف الموضوعى بين أجهزة الأمن والجهات الممسكة بالسلطة فى مصر اليوم، هو الذى أفضى الى الردود التى مررنا على عينة منها.

جرى، إذاً، «تأصيل التحرش» بمرجعيات من مستوى «أبو إسلام» ووجدى غنيم، فى توجه ينذر بخطر تحول إرهاب الناشطات على هذا النحو فى مصر من قبل قوى السلطة، بما يذكر بأعمال الاغتصاب التى يمارسها زبانية النظام السورى وصديقه السابق فى يوغوسلافيا أثناء حرب البوسنة.

نقلاً عن الحياة اللندنية

الجريدة الرسمية