رئيس التحرير
عصام كامل

توفي "زي النهاردة" من 1059 سنة، «ابن حِبان إمام الحديث» المتشددون اتهموه بالإلحاد والزندقة

مدينة بُست، هنا وُلِد
مدينة بُست، هنا وُلِد ومات ابن حبان، فيتو

قبل 1059 سنة، وبالتحديد في مثل هذا اليوم، 21 أكتوبر من عام 965، شوال 354 هـ، توفي الفقيه ابن حبان، إمام الحديث في عصره، بعد أن تخطى الثمانين من عمره، رحمه الله.. مات حزينا مهموما بسبب الافتراءات والاتهامات بالزندقة والإلحاد. 

كان الإمام ابن حبان أحد أوعية العلم الكبار، ومن أبرز علماء الحديث، وبرع وصنف في مختلف العلوم الشرعية والتاريخ واللغة والفلك.

وتسبب التشدد والتعصب وقلة العلم في اتهامه بإنكار النبوة والكفر، وتم التنكيل به ومطاردته وإخراجه من بلده وأهدر دمه حتى مات منبوذًا.

ولد محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد، التميمي الدارمي البستي، وكنيته أبو حاتم، والمعروف بابن حبان، في مدينة بُست من أعمال سجستان في خراسان سنة 273هـ.

شغفه بالعلم

تطلع للعلم بنفسه منذ الصغر بحفظ القرآن الكريم، وتلقى دروسه الأولى في الفقه والأصول والكلام والحديث والتفسير، وارتحل طلبا للعلم والعلماء وسماع الحديث من شيوخه وأعلامه إلى البصرة ومصر والموصل ونسا وجرجان وبغداد ودمشق ونيسابور وعسقلان، وبيت المقدس وطبرية وهراة، وغيرها من المدن.

تتلمذ على أيدي ما لا يقل عن 2000 عالم، فقد بلغ مجموع شيوخه قرابة ألفي شيخ، كما ذكر في مقدمة كتابه "التقاسيم والأنواع"، فقال: "لعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ من اسبيجاب إلى الإسكندرية"، منهم أحمد بن الحسن بن راشد البغدادي، وأحمد بن علي بن هلال التميمي، والحسين بن محمد بن أبي معشر مودود، وابن خزيمة، ومحمد بن إسحاق أبي العباس السراج.

قاضي سمرقند

تولى قضاء سمرقند فترة طويلة، وجلس للتدريس ونشر الفقه والعلم بين الناس، وأقام مكتبة عامرة في داره لطلبة العلم، ومدرسة لتدريس العلوم الشرعية. 

وصل ابن حبان لمكانة كبيرة ومنزلة عالية في علم الحديث، وكان ممن يُشد إليه الرحال لسماع كتبه وأسانيده، وقد اعترف له معاصروه ومن جاء بعده بالعلم والفضل والتقدم.

وصفه الذهبي بأنه: "صاحب همة"، وقال عنه أبوعبدالله الحاكم صاحب كتاب "المستدرك": "كان ابن حِبان من أوعية العلم في الفقه واللغة والحديث والوعظ ومن عقلاء الرجال، وقد أقام عندنا في نيسابور وبنى الخانقاه (مثل المدرسة)، وقرئ عليه جملة من مصنفاته ثم خرج إلى وطنه سجستان عام 340هـ، وكانت الرحلة إليه لسماع كتبه".

ثناء العلماء عليه

ووصفه أبو سعد الإدريسي، قائلا: "كان من فقهاء الدِّين وحفاظ الآثار عالما بالطب والنجوم وفنون العلم، وفقه الناس بسمرقند".

وقال عنه الخطيب البغدادي: "كان ابن حبان ثقة نبيلا فهما".

وقال ياقوت الحموي: "أخرج من علوم الحديث ما عجز عنه غيره، ومن تأمل تصانيفه تأمل منصف علم أن الرجل كان بحرا في العلوم". 

وتتلمذ على يديه الكثيرون منهم محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم المشهور بالحاكم، وأبو الحسن الدارقطني، وأبو عبدالله محمد بن المحدث المعروف بابن منده. 

مؤلفاته

وترك ابن حبان الكثير من الكتب في شتى العلوم ويغلب عليها التصنيف في الحديث والجرح والتعديل، لكن اغلبها ضاع بسبب انتشار الفتن والاضطرابات ونهب داره، ولم يبق منها سوى اليسير، أهمها كتاب “صحيح ابن حبان”، أو "الأنواع والتقاسيم" الذي أطلق عليه أهل العلم اسم "المسند الصحيح"، و"التاريخ"، و"الضعفاء"، و"العلل"، و"مناقب الشافعي"، و"موقوف ما رفع"، و"الهداية"، و"المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين"، و"روضة العقلاء ونزهة الفضلاء".

من أقواله

  • لو كان للحِلْم أبوان لكان أحدهما العقل والآخر الصمت، وربما يُدفع العاقلُ إلى الوقت بعد الوقت إلى من لا يُرضيه عنه الحلم ولا يقنعُه عنه الصفح؛ فحينئذ يحتاج إلى سفيه ينتصر له؛ لأن ترك الحلم في بعض الأوقات من الحلم.
  • البخل شجرة في النار أغصانها في الدنيا، مَنْ تعلق بغصن من أغصانها جره إلى النار، كما أن الجود شجرة في الجنة أغصانها في الدنيا، فمن تعلق بغصن من أغصانها جرَّه إلى الجنة، والجنة دار الأسخياء.
  • ليست خلة هي للغنيِّ مدح إلا وهي للفقير عيب؛ فإن كان الفقير حليما قيل: بليد، وإن كان عاقلا قيل: مكَّار، وإن كان بليغا قيل: مهذار، وإن كان ذكيا قيل: حديد، وإن كان صموتا قيل: عَيِيٌّ، وإن كان متأنيا قيل: جبان، وإن كان عارمًا قيل: جريء، وإن كان جوادًا قيل: مسرف، وإن كان مقَدَّرًا قيل: ممسك.
  • من غني قلبه غنيت يداه، ومن افتقر لم ينفعه غناه، ومن قنع لم يَتسخَّط وعاش آمنًا مطمئنًا، ومن لم يقنع لم يكن له في الفوائت نهاية لرغبته، والجد والحرمان كأنهما يصطرعان بين العباد.
  • الكريم لا يكون حقودًا ولا حسودًا، ولا شامتًا، ولا باغيًا، ولا ساهيًا، ولا لاهيًا، ولا فاجرًا، ولا فخورًا، ولا كاذبًا، ولا ملولا، ولا يقطع إلفه، ولا يؤذي إخوانه، ولا يضيِّع الحفاظ، ولا يجفو في الوداد، يعطي من يرجو، ويؤمِّن من لا يخاف، ويعفو عن قدرة، ويصل عن قطيعة.
  • لولا المتفضلون مات المتجملون.

محنة قاسية

واجه الإمام ابن حبان أزمة شديدة، ومحنة قاسية، كادت تودي بحياته وتقضي على تراثه وعلمه، فقد سئل أثناء إلقائه لأحد الدروس في نيسابور عن النبوة، فقال: النبوة "العلم والعمل".
وكان يحضر مجلسه بعض الوعاظ، فقام إليه ونسب إليه إنكار النبوة واتهمه بالزندقة والقول بأن النبوة مكتسبة، وارتفعت الأصوات في المجلس وهاج الناس بين مؤيد للتهمة ونافٍ لها، وخاضوا في ترديد الأكاذيب والأباطيل عن علمه ومكانته، حتى كتب خصوم ابن حبان محضرا بالواقعة وحكموا عليه فيه بالزندقة والإلحاد، ومنعوا الناس من الجلوس إليه.
وحاصروا الرجل بشدة، وبالغوا في ايذائه وتمادوا في ذلك حتى كتبوا مطالبين بقتله وإهدار دمه إلى الخليفة العباسي وقتها، فكتب يطلب التحري عن الأمر وقتله إن ثبتت عليه التهمة.
وبعد أخذ ورد اتضحت براءة ابن حبان، ولكنهم أجبروه على الخروج من نيسابور إلى سجستان. 
وهناك وجد أن الأباطيل والشائعات تطارده وتهمة الكفر ما زالت تلاحقه، وتصدى له يحيى بن عمار هناك وألب عليه العامة حتى طرده من سجستان، فاضطر ابن حبان إلى العودة لبلده "بست"، واستمر بها.
وفي مثل هذا اليوم، لقي ربه، رحمه الله.

إعادة الاعتبار للعالم الجليل بعد موته

وبعد رحيله، أكدت الدراسات والبحوث العلمية العادلة أن الاتهامات التي واجهها العالم ابن حبان، سببها الحقيقي انتشار روح التعصب والجهل، وبينت خطورة التأويل وتحميل الألفاظ والأقوال من أوجه الكلام ما لا تحتمله، حيث أخذ بعض المتطرفين المتربصين كلمات قليلة قالها هذا الإمام وبدت غامضة وفوق إدراكهم وعلمهم، وأخرجوه من الملة، واتهموه بالزيغ عن الحق والهداية.

 وحرضوا عليه الخليفة العباسي الذي أمر بقتله، رغم أنه كان من أعلم أهل عصره بالحديث، وحُكم عليه بالزندقة بمقولات خاطئة، وكان بالإمكان فهم ما نسبوه إلى ابن حبان على وجه صحيح، كما قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء": أن أعظم صفات النبوة العلم بالله الكامل والعمل الصالح كما قال الرسول، صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلمكم بالله وأخشاكم له". 


وأكد العلماء الثقات أن مقولة "النبوة العلم والعمل" يقولها المسلم ويقولها الزنديق، يقولها المسلم ويقصد بها فهم النبوة، إذ من أكمل صفات النبي العلم والعمل، فما من نبي إلا وهو على أكمل حال من العلم والعمل، وليس كل من برز فيهما نبيا، لأن النبوة محض اصطفاء من الله عز وجل، لا حيلة للعبد في نيلها ولا اكتسابها.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية