الصوت العالى وإثبات الحقوق
يقول المثل الشعبى "خدوهم بالصوت ليغلبوكم" كثيرا ما أفكر في هذه الكلمات والذي أراها تتحقق يوما بعد يوم تقريبا في كل مكان والذي يعكس ثقافة الاقتناع بأن الحق مع صاحب الصوت العالى مهما كان موقفه ظالما كان أم مظلوما.
ما اكتسبه الناس من ثقافة على مر الزمن أثرت على العدالة من جهة وعلى تأصيل هذه الثقافة من جهة أخرى.. ففى الأولى ترى أن الناس غالبا يسمعون لصاحب الصوت العالى ويؤمنون بقضيته ووجهة نظره إما خوفا من احتدام الأمور ودخولها في تطور غير محمود.. أو محاولة تهدئة المواقف فالحجة يجدونها مع صاحب الصوت العالى دون الاهتمام بمكان وجود الحق من عدمه.
وفى الثانيه تتأصل وتقوى ثقافة المصريين في إعلاء الصوت عند أي مشكلة وهذا تجده ظاهرا عند أي نقاش في الشارع المصرى لاختلاف ثقافة الحوار وللرائى أن يدرك الحقيقة من بعد.
فيجد أن الحق مع من يعلو صوته لأنه يعلم الآخر ما هو صحيح والحكم عليه بالخطأ ويبرز بصوته للناس ذنبه وينهره عن الخطأ.
إلا أن ذلك إفلاس في الجوهر وقلة خبرة وإيمان بثقافة مضللة.. ففى المشكلات لابد أن يلتزم الطرفان آداب الحوار دون أن يمارس أي منهما سياسة الصوت العالى الذي نراه يوميا والذي لا يتوقف عند ذلك فحسب وإنما يتطور إلى التعامل الجسدى بين الناس، وهذا من صفات من يسكنون الغابات وليس من صفات البشر.
باستخدام الصوت العالى ينسج الفرد بروازا مبهجا يلفت الأبصار إليه دون أن ترى الجوهر وهى الصورة في حد ذاتها وهو ما يضع حدودا مزخرفة لصورة قاتمة وهو بالتالى عمل التوازن المطلوب للموقف حتى لا يكون من نصيبه الهزيمة.
طالما أن الغالبية تؤمن بهذه الثقافة إذًا من الصعب أن تطلب من الناس أن يظهروا بغير ذلك فإن طلبك منهم أن يلتزموا أدب الحوار من الذين لا يفهمون ذلك هو الحكم عليهم أن يظلوا مهزومين من أول صوت عال.
ولكى يكون لهذا الحديث هدف علينا أن نعمل جميعا في وقت واحد على تغيير ثقافة الناس نحو توعيتهم بأن الصوت العالى لا يفيدهم ونصحح الوضع الخاطئ حتى لا نظهر أمام الأمم الأخرى بالهمجية وأن الصوت العالى ما هو إلا وضع حل مؤقت للمواقف التي بها مشكلات.
وفي النهاية لابد أن يصير الحق إلى صاحبه وأن الصوت العالى دائما حجة الظالم في الانتصار على المظلوم.
ليتهم يتعلمون أن المظاهر الخادعة لا تفيد وأن الجوهر الذي افتقد إليه الناس هو من يبقى في النهاية " فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ".