وزير يسمع وينفذ.. اللهم فاشهد
حينما أخبرت وزير الزراعة الدكتور أيمن فريد أبو حديد، بأن قرارا اتخذه سيؤدي إلى وقوع قتلى بين مزارعي طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، المتنافسين على حقهم في السماد الآزوتي المدعم، شهق الرجل، وحرَص على الاستماع، لاستدراك الأمر.
تأكد الوزير من أنه حاول تسهيل مهمة صرف الأسمدة من الجمعيات التعاونية، بشقيها "الائتمان والاستصلاح"، بدلا من شون بنك التنمية والائتمان الزراعي، فوجد أن المهمة أصبحت شاقة جدا على عدد من مزارعي ومستثمري نحو مليوني فدان ما بين بوابتي القاهرة والإسكندرية، ومطلوب منهم أن يتوجهوا إلى شونة "أبو العطا" التابعة للنوبارية للصرف، وفقا لجدول زمني.
خفت في البداية من أن تكون مكالمة الوزير مجرد تقدير شخصي، ومصدر الخوف هو أن الوزراء أصناف، منهم من يستمع جيدا ولا ينفذ، ومنهم من لا يرد، ومنهم من تطلبه لتبلغه بشيء، فيملي عليك محاضرة سمجة، مثل وزير الأوقاف.
نصف ساعة فقط ما بين مكالمة الوزير والاتصال التالي من الوزارة، لإبلاغي بموعد انعقاد لجنة الأسمدة باكرا، في مقر الإدارة العامة للاستصلاح بشارع الزراعة، ووقتها كنت مصادفة في الموقع، فاتجهت إلى هناك، والتقيت مدير عام الاستصلاح المهندس أيمن المعداوي.
الشفافية التي تعامل بها المعداوي، لم تكن ترجمة فقط لتعليمات الوزير، لكنها ملَكة خاصة يتمتع بها الرجل، وقد عرف عنه ذلك مذ كان مديرا للإدارة العامة للملكية والتصرف، في الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، "الهيئة المتخصصة في تعذيب المصريين".
كانت المعلومات المغلوطة تسهم في تعقد المشكلة، فكل مزارع أو مستثمر يتصل بفرع بنك التنمية والائتمان الزراعي بمدينة وادي النطرون، للسؤال عن "الكيماوي"، يتلقى إجابة صحيحة، لكنها مبهمة: لم تعد للبنك علاقة بصرف السماد.
رائحة فساد حاد كانت قد زكمت أنوف المسئولين في الوزارة، فاكتفى الثلاثي المختص، (الوزير والدكتور عبد الحميد شحاتة مدير عام الخدمات بالوزارة، والمهندس المعداوي)، بحل المشكلة، على طريقة "خلع الضرس التالف للحفاظ على صحة الفم".
ثلاث اجتماعات فاعلة، تمخضت عن حل مشكلة سماد الصحراوي، حيث افتتحت ثلاث نقاط لتوزيع السماد، هي: شونة أبو العطا بالنوبارية، وشونة جمعية 25 يناير جنوب غرب التحرير، وشونة جمعية قرية الصديق يوسف في وادي النطرون.
دبلوماسية القرار كانت محرضا على البحث، فوصلت إلى مصدر مسئول، استأمنني على السر، ليخبرني بأن شخصا بارزا في بنك التنمية فرع الإسكندرية، المسئول عن صرف السماد في المنطقة الشمالية، هو صاحب "البالوعة" التي تصاعدت رائحتها، لدرجة أصبح الصمت حيالها جريمة.
إضافة إلى القطب الشمالي المصري، هبت موجة فساد جنوبية، حيث كانت شاحنة السماد تخرج من مصنع أبو قير في الإسكندرية، في طريقها إلى محافظات "قبلي"، ليتم إدخالها "دوّار" أحد عمد الصعيد، لتفوز بها عائلة واحدة، تملك 500 أو 1000 فدان، بدلا من توزيعها على شون أسمدة صغار المزارعين.
المصدر نفسه، أكد أن الشكاوى لم تصل كيدية إلى الثلاثي الفاعل (أبو حديد ـ شحاتة ـ المعداوي)، بل تم توثيقها من خلال مراقبي إدارة الاستصلاح في زيارات ميدانية العام الماضي، ليصبح تجفيف منابع الفساد أولى من محاربة الآثار السلبية المترتبة على انتشار الرائحة.
حين نقلت هذه المعلومة للمعداوي، لم يعلق بأكثر من أن حل مشكلة السماد بالطريقة الجديدة، سيفيد أكثر من ثلاثة ملايين شخص من أصحاب الحيازات التي تقل عن واحد فدان، وهؤلاء يمثلون أكثر من 15 مليون مواطن، يستطيعون تحديد الرئيس المقبل لمصر.
اللهم انفعنا بهؤلاء المساكين.
barghoty@yahoo.com