أوقاف مصر بين "النهضة" و"الصحوة"
ليس الموت وحده هو الذي تسبقه إفاقة مفاجئة أحيانا، لكن تراخي الكيانات الاقتصادية أيضا يلزمه "صحوة" يطلق عليها دائما اصطلاح "ثورة".
وكانت أوقاف مصر في زمن الإخوان، قد تعرضت لسكتة قلبية ودماغية وحيوية مفاجئة، في عهد الشيخ الدكتور طلعت عفيفي، الوزير الذي كان "أستاذا" في الدعوة، وتلميذا في السياسة، فسقط بامتياز في أول دروس "إدارة التمكين"، الذي وضع منهجه مكتب إرشاد جماعة الإخوان الذائلة.
وصل طلعت عفيفي إلى وزارة الأوقاف من باب "الأخونة"، فطارت عيون حاشيته "الإخوانية" على "المنافع" قبل القصر.
وبدى للمقربين من المشهد، أن التوصية كانت محددة بأن يركز الوزير هدفه نحو تجيير هذه الهيئة بأملاكها العقارية والزراعية، وعوائدها، لصالح مشروع "التمكين" الكبير، لذا، أحاطوه بسياج من "التابعين" ليكونوا عيونا مشرعة على تصرفاته، لأنه لم يكن عضوا عاملا في جماعة "الإخوان"، بل كان رجل دين، بالمعنى الذي يؤهله للانتساب لجميع الفرق الدينية.
كان الرفاق، ومنهم: الدكتور صلاح سلطان القيادي الإخواني المسجون حاليا، متحفزين للالتهام: فنظموا الخطى نحو هيئة الأوقاف، يتحسسون شفاههم وهم يقتربون من رئيسها الذي اختاره الوزير بقلبه، ليفاجأ بأنه "عين العقل" التي تستدعي الفقأ، كونها تستعصي على "الانكسار".
الشيخ الدكتور لا يفهم في الاقتصاد، وفوجئ بأن رئيس الهيئة الذي اختاره بمعيار "أهل الخطوة"، كان خبيرا في تحويل الهيئات الاقتصادية من مجرد كيانات شكلية إلى قاطرات تنمية حقيقية، من خلال تأسيس قواعد بيانات، وعمل دراسات جدوى، لتحويل مسار الهيئة من مجرد "محصل" إيجارات شقق سكنية وأراض زراعية تقدر بأكثر من 400 ألف فدان، إلى هيئة استثمارية تعظم الأموال الخيرية، بدلا من تآكلها، وفقا لما هو منصوص عليه في قانون الإنشاء: "هيئة مستقلة تستثمر مال الوقف على أنه مال خاص".
الجملة الأخيرة، التي تمثل مادة رئيسية في قانون إنشاء الهيئة، لم تعجب حاشية الشيخ الدكتور الوزير، حيث كانوا متحفزين لـ "اللهف": شقق فاخرة في عمائر الأوقاف في القاهرة الكبرى، وجميع محافظات مصر، عضوية مجلس إدارة الهيئة، مدير مكتب رئيس الهيئة، عضوية دائمة و"دوارة" في اللجان الفنية بالهيئة، أو رئيسا للجنة شرعية تشرف على أعمال الهيئة، وفي النهاية "مبلغ مقبوض" وقدره من خزينة الهيئة شهريا.
ولم لا، وتهم الفساد تحيق برجال الهيئة، ولذا، فمشروع "النهضة" أولى بلحم "الأوقاف"، ولا سبيل لذلك إلا بالتغيير، الذي رفضه أسامة كامل رئيس الهيئة السابق والذي كان "اللقمة الصعبة" في حلق رجال الوزير، المدججين بوصايا مكتب الإرشاد، وجناح الاستثمار التابع لمكتب الثنائي "الشاطر ومالك".
الوزير ورفاقه كانوا يصلون الليل بالنهار بحثا عن مطب للرئيس الذي عوق "نهضتهم" المزعومة، بإصراره على وجوب إثبات الفساد بأدلة قطعية للإطاحة برجال الهيئة، مع الاستمرار في الإعلام عن بروتوكولات التنمية والاستثمار في جميع محافظات مصر، ما يلفت نظر الرأي العام المصري إلى أهمية هذه الهيئة في مرحلة لم يكن مطلوبا فيها إظهار خيرات مصر.
والآن وبعد أن استقر يقين وزير الأوقاف الجديد إلى ضرورة تسليم مفتاح العربة لمن يعرف الطريق، هل سيكون في حاجة إلى اختراع "العجلة" من جديد، أم سيبدأ من حيث انتهى أسامة كامل؟
سؤال طرحته على المهندس صلاح جنيدي رئيس مجلس إدارة الهيئة الجديد، والمهندس محمد الرباط رئيس مجلس إدارة شركة المحمودية، المملوكة لهيئة الأوقاف، فاتفقا سويا على أن الدكتور محمد مختار جمعة يعي جيدا، أنه لا "نهضة" حقيقية، بلا صحوة جادة تستبعد التخوين، وتعتمد المحاسبة.