المجددون، الإمام الشافعي عالم قريش الذي ملأ الأرض علمًا

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعثُ لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّدُ لها دينها".
ولم يشترط السيوطي أن يكون "المجدِّدُ" فردًا، بل يشمل كل من نفع الأمة وجدد لها شيئًا من أمور دينها ودنياها في أي مجال من المجالات، وأيده في ذلك ابن الأثير الجزري وشمس الدين الذهبي، وابن كثير الدمشقي، وابن حجر العسقلاني.
ولا يلزم أن تجتمع خصال الخير كلها في شخص واحد، بل قد يكون هناك أكثر من عالِمٍ في أكثر من مكان، في وقتٍ واحدٍ، أو أزمانٍ متفرقة، يتميز كل منهم بمزية في علم من العلوم الدينة والدنيوية، شريطة أن يكونوا جميعا مسلمين، مؤمنين، ملتزمين بهدي الدين الحنيف.
وهذا موجود، ولله الحمد، حتى قيام الساعة، فهناك من يتفوق في اللغة، والفقه، والتفسير، وهناك من يمتاز في العلوم الحديثة، كالطب والهندسة والتكنولوجيا، وغيرها.. وهناك من يدفع عن الإسلام شبهات الملحدين، والمتطرفين والمفرطين، ويصد هجمات المبطلين، والمنحرفين، وأعداء الدين.
محمد بن إدريس الشافعي (150 هـ - 204 هـ)
أجمع كل العلماء والمؤرخين إجماعًا تامًا على أنه مجدد القرن الثاني الهجري بصفته أحد الفقهاء.
هو ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه، ومؤلف كتاب "الرسالة"، أول كتاب في علم أصول الفقه.
وهو العالم الذي مزج في فقهه بين طريقة أهل العراق والحجاز.
وهو أيضا إمام في علم التفسير وعلم الحديث، كما عمل قاضيا، وعُرِف بالعدل والذكاء.
اقترن اسم هذا العالم الجليل بـ"الإمام"، وتقلَّد "قاضي الشريعة" دون أن يكون على منصة القضاء.
مولده ونسبه ونشأته
ولد الإمام الشافعي في شهر رجب عام 150 هجرية (أغسطس 767 ميلادية).
واتفق مؤرخو الفقهاء على أنه وُلد بمدينة غزة بفلسطين، بينما توفي في مصر في آخر يوم من شهر رجب عام 204 هـ، الموافق لـ 20 يناير 820 م.
قيل عنه إنه "ابن عم النبي"، و"إمام قريش، ذكره الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، بقوله: "عالم قريش يملأ الأرض علمًا".
عاش الشافعي عيشة اليتامى الفقراء، وحفظ القرآن الكريم في السابعة من عمره، وحفظ الموطأ في العاشرة، وأُذن له بالإفتاء ولم يبلغ العشرين من عمره. بدأ ذكاؤه الشديد في سرعة حفظه له، ثم اتجه بعد حفظه القرآن الكريم إلى حفظ أحاديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان كلفا بها، حريصا على جمعها، ويستمع إلى المحدثين فيحفظ الحديث بالسمع، ثم يكتبه على الخزف أحيانا، وعلى الجلود أخرى، وكان يذهب إلى الديوان يستوعب الظهور ليكتب عليها.
الهجرة للمدينة
هاجر إلى المدينة المنورة طلبًا للعلم عند الإمام مالك، ثم ارتحل إلى اليمن وعمل فيها، ثم ارتحل إلى بغداد سنة 184 هـ، فطلب العلم فيها عند القاضي محمد بن الحسن الشيباني، وأخذ يدرس المذهب الحنفي، وبذلك اجتمع له فقه الحجاز (المذهب المالكي) وفقه العراق (المذهب الحنفي).
ثم عاد الشافعي إلى مكة وأقام فيها تسع سنوات تقريبًا، وأخذ يُلقى دروسه في الحرم المكي، ثم سافر إلى بغداد للمرة الثانية، فقدِمها سنة 195 هـ.
وقام بتأليف كتاب "الرسالة" الذي وضع به الأساسَ لعلم أصول الفقه، ثم سافر إلى مصر سنة 199 هـ.
وفى مصر، أعاد الشافعي تصنيف كتاب "الرسالة" الذي كتبه للمرة الأولى في بغداد، كما أخذ ينشر مذهبه الجديد، ويجادل مخالفيه، ويعلِّم طلابَ العلم.
فقه الشافعي
الشافعية أو المذهب الشافعي أو الفقه الشافعي.. اشتهر هذا المصطلح منذ البدايات المبكرة لنشوء المدارس الفقهية السنية المختلفة، لكنه بالتأكيد ظهر في حياة الإمام محمد بن إدريس الذي ينسب إليه المذهب الشافعي.
ويعتمد المذهب الشافعي في استنباطاته وطرق الاستدلال على الأصول التي وضعها الإمام الشافعي بشكل عام، لكن ليس بالضرورة أن تتوافق آراء المذهب الشافعي مع آراء الإمام الشافعي نفسه، بل قد يكون المذهب استقر على ورجّح خلاف ما رجحه الشافعي، لكن الأصول وطرائق الاستدلال واحدة.
"الرسالة" و"الأم"
ومما يُذكر أن الإمام الشافعي يُعد أول من دوّن كتابًا متكاملًا في العلم المعروف بأصول الفقه وذلك في كتابه الشهير "الرسالة"، كما دوّن كتبًا أخرى منها: "الحجة"، وهو الكتاب الفقهي الذي دوّنه أولًا في العراق، ثم أعاد تأليفه وغير مذهبه في بضع عشرة مسألة فقهية فيه عندما سكن القاهرة وسمى الكتاب "الأم".
بعد مكوثه في بغداد، عاصمة الدولة الإسلامية وقتها، انتقل الشافعي مجددا إلى مكة ليمزج بين "فقه أهل الحديث (الحافظين الملتزمين بأقوال النبي)"، و"فقه أهل الرأي (أصحاب الرأي والقياس)"، ليبدأ فقه ثالث الأئمة في النضوج.
وخلال إقامته في مكة، بدأ الشافعي في وضع أسس الفقه الشافعي القائم على المزج بين أحكام السنة والقرآن الكريم والاجتهاد في المسائل والأحكام الدينية قياسًا ما لم تكن في القرآن ولا السنة.
ثم سافر الشافعي إلى بغداد للمرة الثانية، حاملًا قواعد فقهية كلية، فكان قبلة للفقهاء والعلماء في زمانه، وخلال إقامته هناك أعد النسخة الأولى خلاصة فقهه "كتاب الرسالة".
والكتاب يضع الضوابط التي يلتزم بها الفقيه أو المجتهد لبيان الأحكام الشرعية لكل حديث ومستحدث في كل عصر، ولما أقام بمصر أعاد الإمام تنقيح الكتاب.
في مصر
قدم الإمام الشافعي إلى مصر سنة 815 ميلادية، ومات فيها في 20 يناير 820 ميلادية.
وفي مصر عرف بالحكمة والبلاغة والشعر، فاقترن اسمه بـ"الإمام"، وأسماه فقراؤها "قاضي الشريعة"، وأحبوه وظلوا متعلقين بمقامه وضريحه هو الأشهر بالقاهرة القديمة.
وفي مصر، تجسدت أمام عينيه فكرة أن الشرع يدور حيث تكون مصالح الناس، وبمسجد عمرو بن العاص، جلس مفتيًا مهتمًا باختلاف الناس، فقام بتعديل وتغيير بعض آرائه، فقال عنه الإمام أحمد بن حنبل، رابع الأئمة الأربعة وصاحب المذهب الحنبلي: "خذوا عن أستاذنا الشافعي ما كتبه في مصر".
مذهب الشافعي
تُعد مصر الموطن الأول للمذهب الإمام الشافعي، ورغم فقدانه صفته الرسمية لصالح المذهب "الحنبلي"، إلا أنه باقٍ بجانب المذهب المالكي في العديد من قرى مصر، ولا يزال يدرس في الجامع الأزهر.
كما ينتشر المذهب الشافعي في كثير من دول العالم.
انتشر المذهب الشافعي بعد مقامه في مصر والسودان، فظهر في العراق، وكثر أتباعه في بغداد، وانتشر بين أهل الشام، وغلب على كثير من بلاد خراسان وتوران واليمن، ودخل ما وراء النهر، وبلاد فارس والحجاز وتهامة، وزاد انتشاره في كردستان وأرمينية والقوقاز وتركستان الشرقية وبعض بلاد جنوب شرق آسيا والهند، وتسرب إلى بعض شمال وشرق أفريقيا، والأندلس بعد سنة 300 هـ.
مؤلفاته
للإمام الشافعي عشرات الكتب في أصول الفقه، ويعد كتاب “الرسالة” الأول في أصول الحديث، كما ألف كتابًا دافع فيه عن السنة النبوي أسماه “جماع العلم”، كما كتب في أصول الإسلام كالصلاة والزكاة والحج، بجانب فروعه كالطهارة والنكاح والطلاق وغيرها.
الشافعي.. الشاعر
وبجانب علومه الشرعية والإسلامية، كان له ديوان شعر، يتناول الحكمة والاستغفار.
ومن أبرز أقواله وحكمه: "نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيب سوانا"، و"تموت الأسد في الغابات جوعًا، ولحم الضأن تأكله الكلاب".. و"عبد قد ينام على حرير، وذو نسب مفارشه التراب".
وهناك كتب مصنفة في الفروع، وقد جمعت كلها في كتاب واحد اسمه كتاب الأم.
وله كتاب في الطهارة، وكتاب في الصلاة، وكتاب في الزكاة، وكتاب في الحج، وكتاب في النكاح وما في معناه، وكتاب في الطلاق وما في معناه، وفي الإيلاء والظهار واللعان والنفقات..
كان الشافعي أديبًا وشاعرًا فصيحًا بالإضافة إلى معرفته للعلوم الشرعية الإسلامية، فقد ارتحل الشافعي إلى البادية في صغره، ولازم قبيلة هذيل التي كانت أفصح العرب وتعلَّمَ كلامها، وقد بلغ علمه في اللغة العربية أن الأصمعي الذي له مكانة عالية في اللغة قال: "صححت أشعار هذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس".
أخلاقه وصفاته
أعجب الناس بعلم الشافعي وعقله، شغلهم في بغداد وقد نازل أهل الرأي، وشغلهم في مكة وقد ابتدأ يَخرج عليهم بفقه جديد يتجه إلى الكليات بدل الجزئيات، والأصول بدل الفروع، وشغلهم في بغداد وقد أخذ يدرس خلافات الفقهاء وخلافات بعض الصحابة على أصوله التي اهتدى إليها. كان الشافعي، رحمَه الله، يجلس في حلقته إذا صلى الصبح، فيجيئه أهل القرآن، فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث، فيسألونه تفسيره ومعانيه، فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا، وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر، فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار.
وكان الشافعي متواضعًا مع كثرة علمه وتنوعه، ومما يدل على ذلك قوله: ما ناظرت أحدًا فأحببت أن يخطئ، وما في قلبي من علم إلا وددت أنه عند كل أحد ولا ينسب إلي.
كما كان الشافعي معروفًا بالكرم والسخاء، ومن ذلك ما قاله الربيع بن سليمان: تزوجت، فسألني الشافعي: “كم أصدقتها؟”، فقلت: “ثلاثين دينارًا”، فقال: “كم أعطيتها؟”، قلت: “ستة دنانير”، فصعد داره، وأرسل إلي بصرَّة فيها أربعة وعشرون دينارًا.
وكان الشافعي ورعًا كثير العبادة، فقد كان يختم القرآن في كل ليلة ختمة، فإذا كان شهر رمضان ختم في كل ليلة منها ختمة، وفي كل يوم ختمة، وكان يختم في شهر رمضان ستين ختمة.
وكان الشافعي يدعو إلى طلب العلم فيقول: “من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في الفقه نبُل قدره، ومن نظر في اللغة رَقَّ طبعُه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.
قالوا عنه
روى الخطيب بسنده إلى إسحاق بن راهويه قال: أخذ أحمد بن حنبل بيدي وقال: تعال حتى أذهب بك إلى من لم تر عيناك مثله، فذهب به إلى الشافعي.فالإمام الشافعي يعتبر شيخ الإمام أحمد.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي: يا أبت أي شيء كان الشافعي فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟ فقال: يا بني الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، انظر هل لهذين من خلف أو منهما عوض؟
وعن أيوب بن سويد قال: ما ظننت أني أعيش حتى أرى مثل الشافعي.
وقال صالح بن أحمد بن حنبل: ركب الشافعي حماره فجعل أبي يمشي والشافعي راكب وهو يذاكره، فبلغ ذلك يحيى بن معين فبعث إلى أبي في ذلك؛ فبعث إليه الإمام أحمد فقال: إنك لو كنت في الجانب الآخر من الحمار كان خيرًا لك.
وعن سويد بن سعيد قال: كنا عند سفيان بن عيينة فجاء محمد بن إدريس فجلس، فروى ابن عيينة حديثًا رقيقًا، فغشي على الشافعي فقيل: يا أبا محمد! مات محمد بن إدريس، فقال ابن عيينة: إن كان قد مات محمد بن إدريس فقد مات أفضل أهل زمانه.
قال الرازي: إن ثناء العلماء على الإمام الشافعي أكثر من أن يحيط به الحصر.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا